التوازن في الحماية يضمن نمو الطفل
الحب والحماية: بين الدافع والخوف
عندما يأتي الطفل إلى هذا العالم، يصبح الحفاظ على سلامته أولوية قصوى بالنسبة للآباء. نتابع أنفاسه أثناء نومه، نراقب خطواته الأولى، ونحرص على خلق بيئة آمنة خالية من المفاجآت. كل هذه الإجراءات تُبذل بدافع الحب العميق. لكن، ماذا يحدث إذا تحول هذا الحب إلى شعور بالخوف؟ ماذا لو أصبحت الحماية الزائدة حائلاً أمام نمو الطفل واستقلاليته؟
الإفراط في الحماية: آثار جانبية غير متوقعة
الإفراط في الحماية لا يقتصر فقط على منع الطفل من تسلق الأشجار أو ركوب الدراجات، بل يمتد إلى التدخل المستمر في قراراته، وحل مشكلاته بدلاً عنه، ومراقبة كل جوانب حياته اليومية بدعوى "الخوف عليه".
عائلة شاكر باشا الحلقة 12
مع مرور الوقت، ينشأ الطفل دون أن يتعلم كيف يثق بنفسه، أو كيف يتخذ قراراته الخاصة، أو كيف يتعامل مع الإحباط والفشل. وقد يترسخ في ذهنه اعتقاد خفي: "العالم مكان مخيف وأنا غير قادر على مواجهته وحدي"، وهو اعتقاد قد يرافقه حتى مرحلة البلوغ.
ماذا تقول الأبحاث حول التربية المفرطة الحماية؟
دراسة نُشرت في Journal of Child and Family Studies عام 2013، أظهرت أن طلاب الجامعات الذين نشأوا في بيئات مفرطة الحماية كانوا أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب مقارنة بزملائهم الذين تربوا في بيئات تشجع على الاستقلالية.
أشارت النتائج إلى أن الإفراط في الحماية يقلل من قدرة الأبناء على اتخاذ قراراتهم الخاصة، ويضعف مهارات التكيف لديهم لمواجهة التحديات اليومية. كما أكدت الباحثة هولي شيف في مقابلة لها قائلة: "الطفل الذي لا يُسمح له بخوض المخاطر البسيطة في صغره، لن يعرف كيف يتعامل مع المخاطر الأكبر عندما يكبر".
الحماية الحقيقية: بناء المناعة وليس إلغاء الخطر
تتجاوز مسؤولية التربية مجرد الحماية، بل تتعلق أيضًا بالإعداد. يجب على الأهل عدم خلق بيئة معقمة، بل إعداد الطفل لمواجهة الحياة بما فيها من تحديات وصعوبات. فالحماية الحقيقية لا تعني أن نضع حواجز أمام أطفالنا، بل أن نكون بجانبهم ونعلمهم كيفية التغلب على العقبات.
عندما يواجه الطفل مواقف صغيرة بمفرده، مثل التحدث مع البائع أو حل خلاف مع صديق، أو حتى ربط حذائه دون مساعدة، فإنه يبني أدواته النفسية تدريجياً، ليصبح شابًا قادرًا على مواجهة الحياة.
الاعتدال هو المفتاح
بين الإهمال والإفراط، توجد التربية المتوازنة. لا ينبغي أن نترك الطفل وحده في بحر الحياة دون أدوات، ولا ينبغي أن نحمله على ظهورنا حتى يفقد القدرة على السباحة. يمكننا أن نحب أبناءنا حبًا عميقًا دون كبح حركتهم، ويمكننا حمايتهم دون منعهم من اكتساب المهارات اللازمة للنجاة.
الخوف غريزة طبيعية لدى الآباء، لكن الشجاعة تكمن في الثقة بأطفالنا ومنحهم فرص التعلم، حتى وإن كانت هذه الفرص محفوفة بالتعثر أحيانًا. فالحياة لا تقدم مناعة مكتسبة، بل تُبنى هذه المناعة من خلال التجربة، ومن خلال المحاولة، ومن خلال أن يتعثر الطفل ثم يقوم مرة أخرى. هنا، فقط، نكون قد أديت رسالتنا كآباء وأمهات.