-

التحرر من العار المجتمعي: رحلة نحو الذات

(اخر تعديل 2024-12-14 00:11:31 )
بواسطة

في عصرنا الحالي، أصبح العار المجتمعي ظاهرة تؤثر في حياة الكثيرين، حيث يتجلى هذا العار في رسائل سلبية تغمر المجتمع، مما يؤدي إلى شعور دائم بعدم الكفاية والنقص. تتجلى آثار هذه الظاهرة في مختلف مجالات الحياة، من العلاقات الاجتماعية إلى الصحة النفسية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكننا التحرر من هذا العار الذي يلاحقنا؟ في كتابه "Unlearning Shame"، يسلط الدكتور ديفون برايس، عالم النفس الاجتماعي، الضوء على إمكانية التخلص من هذا العار. يؤكد أن التحرر منه ليس مجرد حلم بعيد المنال، بل هو رحلة تتطلب منا الصبر والرغبة في التغيير.

فهم وصمة العار المجتمعية

ليس العار المجتمعي مجرد شعور عابر بالخجل، بل هو ظاهرة معقدة تتشكل من قناعات ومفاهيم سلبية تجعلنا نقيّم أنفسنا والآخرين بشكل قاسي. وفقًا للدكتور برايس، يتكون هذا النوع من العار من أفكار متناقضة تركز على الأخلاق الفردية بشكل مفرط، مما يؤدي إلى إلقاء اللوم على الأفراد المختلفين. هذه القيم تخلق حواجز نفسية تمنعنا من رؤية قيمتنا الحقيقية ككائنات بشرية.

البديل.. التقدير الفردي

في سعيه للتغلب على العار، يقترح الدكتور برايس مفهوم "التقدير الفردي" كبديل فعال. يقوم هذا المفهوم على قبول الذات بكل عيوبها ومميزاتها، مع إدراك أننا جزء من نسيج إنساني أوسع.

• إعادة بناء العلاقات

يتطلب التقدير الفردي بناء علاقات صادقة مع الآخرين، حيث يمكننا التعبير عن أنفسنا بحرية دون خوف من النقد. عندما نشعر بالقبول حتى في أضعف لحظاتنا، فإن ذلك يعزز ارتباطنا بالآخرين ويعطينا إحساسًا بالانتماء.

• التعاطف مع الآخرين

بدلاً من النقد القاسي المرافق للعار المجتمعي، يدعونا التقدير الفردي إلى رؤية تجارب الآخرين ونضالاتهم، حتى إن اختلفت عن تجاربنا. هذا الفهم يساعد في بناء جسور من التفاهم والمحبة بين الأفراد.

كيف يمكننا مواجهة العار المجتمعي؟

لا يعني التحرر من العار المجتمعي أن نصبح محصنين تمامًا، بل يتطلب منا تطوير آليات صحية للتعامل مع رسائله السلبية. من بين هذه الآليات:

المرونة النفسية

من المهم أن نتعلم كيفية مواجهة النقد دون أن يؤثر ذلك على قيمتنا الذاتية، وهذا يتطلب منا قبول نقاط ضعفنا والاعتراف بأن الكمال ليس هدفًا واقعياً.

إيجاد الدعم

نحتاج إلى البحث عن أشخاص داعمين في حياتنا، حيث يمكنهم تقديم المساندة دون أحكام. هؤلاء الأشخاص يساعدوننا على رؤية أنفسنا من منظور أكثر رحمة وتفهمًا.
محمد الفاتح مترجم الحلقة 26

تطوير حس الهدف

عندما نحدد أهدافًا تتماشى مع قيمنا، نجد معنى لحياتنا يتجاوز تأثير العار المجتمعي. إدراك أن جهودنا الفردية متصلة بجهود الآخرين يمنحنا شعورًا بالقوة والانتماء.

أمثلة على تطبيق التقدير الفردي

يوضح الدكتور برايس أن التقدير الفردي يظهر في لحظات صغيرة لكنها مؤثرة، مثلما يحدث عندما يشارك شخص تجربته المؤلمة مع آخر فيكتشف أنه مر بتجربة مشابهة. هذا التعاطف يعزز شعورنا بالإنسانية المشتركة، أو عندما يتم الاحتفاء بصفات كنا نخجل منها، تصبح تلك اللحظات محطات تحول تدفعنا نحو تقدير أنفسنا بشكل أعمق.

في الختام، يُعتبر التحرر من العار المجتمعي عملية طويلة الأمد، لكنها تستحق الجهد. من خلال تبني مفهوم التقدير الفردي وبناء علاقات قائمة على الثقة، يمكننا التحرر من قيود النقد الذاتي والعيش حياة أكثر توازنًا وسلامًا. وكما يشير الدكتور برايس، فإن قوتنا الحقيقية تكمن في قبول إنسانيتنا بكل ما فيها من نقص وجمال، مع إدراك أن نضالاتنا الفردية هي جزء من قصة إنسانية مشتركة.