-

نوم الأطفال: بين الاستقلالية والقرب العاطفي

(اخر تعديل 2025-02-23 09:11:29 )
بواسطة

لطالما كان موضوع نوم الأطفال واحدًا من أكثر المواضيع التي تشغل بال الأهل، حيث تتباين الآراء حول أهمية استقلالية الطفل في النوم مقارنةً بأهمية القرب الجسدي بينه وبين والديه. ففي بعض المجتمعات الغربية، يتم تشجيع نوم الرضيع في سريره الخاص منذ الأشهر الأولى من حياته، بينما تظل ممارسة النوم المشترك، أي تقاسم السرير بين الأهل والطفل، شائعة في العديد من الثقافات الأخرى. ولكن، هل لهذا السلوك تأثير طويل الأمد على التطور النفسي للطفل؟
المحتال مترجم الحلقة 9

النوم المشترك: بين الممارسة القديمة والجدل المعاصر

تاريخيًا، كان النوم المشترك هو النمط السائد في معظم المجتمعات. فعلى سبيل المثال، قبل القرن التاسع عشر في المملكة المتحدة، لم يكن الأهل منشغلين كثيرًا بمسألة نوم الرضع، حيث كان من المعتاد أن ينام الأطفال بالقرب من والديهم، مما يتيح لهم الاستجابة السريعة لاحتياجاتهم خلال الليل. ومع الثورة الصناعية، تغيرت أنماط الحياة وأصبحت الاستقلالية في النوم معيارًا جديدًا، خصوصًا في الطبقات الوسطى، حيث فرضت ساعات العمل الطويلة الحاجة إلى نوم متواصل دون انقطاع.

اليوم، يطرح البعض فكرة أن تدريب الطفل على النوم بمفرده يعزز استقلاليته، بينما يرى آخرون أن النوم المشترك يعزز الترابط العاطفي بين الطفل ووالديه.

الجدل حول تقاسم السرير

يعتبر بعض الخبراء أن النوم المشترك قد يحمل مخاطر، خاصة خلال الأشهر الأولى من عمر الرضيع، إذ ارتبط في بعض الدراسات بزيادة احتمالية متلازمة الموت المفاجئ للرضع (SIDS). ومع ذلك، هناك دراسات أخرى تشير إلى أن النوم المشترك قد يكون له فوائد عاطفية ونفسية، مثل تعزيز الشعور بالأمان والتقليل من قلق الانفصال.

لكن رغم هذا الجدل، فإن البحوث حول تأثير النوم المشترك على التطور النفسي للطفل لا تزال محدودة. حيث أن الدراسات التجريبية في هذا المجال نادرة، نظرًا لأن قرار النوم المشترك هو اختيار شخصي للأهل ولا يمكن إخضاعه لتجارب علمية محكمة.

دراسة حديثة: لا تأثير طويل الأمد للنوم المشترك

بحثت دراسة حديثة نُشرت في عام 2024 في تأثير النوم المشترك على الصحة النفسية للأطفال. استندت هذه الدراسة إلى بيانات من "دراسة الألفية" في المملكة المتحدة، والتي تابعت 16,599 طفلاً منذ عمر 9 أشهر وحتى 11 عامًا، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل الحالة النفسية للأم، والوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، ووتيرة استيقاظ الطفل ليلاً.

أظهرت نتائج الدراسة أن النوم المشترك في عمر 9 أشهر لم يكن له أي ارتباط بمشاكل سلوكية أو عاطفية لدى الأطفال على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن بعض العوامل المرتبطة بالنوم المشترك، مثل التوتر النفسي للأم أو انخفاض المستوى التعليمي للأهل، قد تكون مؤثرة في الصحة النفسية للطفل، إلا أن النوم المشترك نفسه لم يكن عاملاً محددًا في ذلك.

هذه النتائج تقدم طمأنينة للأهل الذين يختارون النوم المشترك لأسباب متنوعة، سواء بسبب العادات الثقافية أو لتسهيل رعاية الطفل في أثناء الليل. كما تتماشى مع دراسات سابقة أظهرت أن النوم المشترك لا يؤثر سلبًا على تطور العلاقة العاطفية بين الأم والطفل.

خلاصة القول

بينما يستمر الجدل حول فوائد ومخاطر النوم المشترك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أنه لا يؤثر على التطور النفسي للطفل، شريطة اتخاذ تدابير الأمان اللازمة. لذا، يبقى القرار في نهاية المطاف مسألة شخصية تتعلق براحة الأهل والطفل، دون قلق من تأثيرات سلبية بعيدة المدى.