-

الاستجابة الواعية في تربية الأطفال

(اخر تعديل 2024-12-13 11:19:48 )
بواسطة

تختلف أساليب تعامل الآباء مع أطفالهم بناءً على مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تشكّل رؤيتهم التربوية، إلى جانب تأثير شخصياتهم الفريدة على نوعية هذا التفاعل. فبينما نجد أن الآباء المتيقظين والواعين يتبنون سلوكيات معينة عند التعامل مع أطفالهم، فإن الآباء الذين يحملون آلام طفولتهم في نفوسهم قد ينعكس ذلك سلبًا على سلوكيات أطفالهم.

في هذا المقال، سنستعرض طريقة الاستجابة المثلى لسلوكيات الأطفال مهما كان نوعها، لنساعد الآباء على بناء علاقات أكثر عمقًا مع أبنائهم.

الاستجابة الواعية.. لا التفاعل اللاواعي

عندما يتصرف طفلك بطريقة تثير استيائك، فإن رد فعلك يمكن أن يكون له تأثير عميق على تشكيل شخصيته. هنا، يتعين عليك أن تختاري بين الاستجابة وفقًا لانفعالاتك الداخلية أو اتخاذ قرارات واعية تهدف إلى الحفاظ على سلامة طفلك النفسية.

ما هي الاستجابة الواعية؟

الاستجابة الواعية تمثل نهجًا يهدف إلى تعزيز علاقة أكثر انسجامًا بين الأهل وأطفالهم. بدلاً من الانغماس في ردود الفعل العاطفية الفورية، يشجع هذا النهج الآباء على التركيز على اللحظة الحالية وفهم مشاعرهم ومشاعر أطفالهم بعمق. هذه المهارة ليست فطرية، بل تحتاج إلى ممارسة وتدريب لتصبح جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية.

كيف يؤثر التوتر في سلوك الآباء؟

يتفاعل الدماغ والجسم مع الضغوطات كآلية دفاعية طبيعية. فعندما يتعرض الدماغ لتهديد ما، تنشط اللوزة الدماغية، المسؤولة عن استجابات "القتال أو الهروب أو التجمّد". وعلى الرغم من أن هذه الاستجابات ضرورية في المواقف الخطيرة، إلا أنها قد تؤدي إلى ردود فعل غير ملائمة في الحياة اليومية، مثل الانزعاج من سلوكات أطفالنا العادية.

على سبيل المثال، قد نشعر بالتوتر عند وقوع حادث بسيط كإسقاط الحليب، وكأنه تهديد خطير. كما يمكن أن تزيد التجارب الشخصية أو الذكريات المرتبطة بالطفولة من حدة هذه الاستجابات، مما يجعلنا أقل قدرة على التعامل مع المواقف بهدوء وتفهم.

يؤكد الدكتور دان سيجل، المتخصص في علم النفس، أن هذه اللحظات قد تجعلنا "نفقد السيطرة" نتيجة سيطرة المشاعر علينا، وهذا النوع من التفاعل لا يؤثر فقط على صحتنا النفسية، بل قد يكون مقلقًا للأطفال، حيث يعتبرون ردود أفعالنا نموذجًا لكيفية التعامل مع الضغوط.

كيف أكون مربيًا واعيًا عبر استجابتي؟

تتطلب التربية عبر الاستجابة الواعية أن يكون الوالد حاضرًا بشكل كامل في المواقف اليومية، مع التركيز على إدارة مشاعره أولًا قبل محاولة فهم مشاعر الطفل. يشبه ذلك ما يُطلب منا في حالات الطوارئ على الطائرات: وضع قناع الأكسجين على نفسك قبل مساعدة الآخرين. عندما يكون الآباء مرهقين أو مستنزفين، يصبح من الصعب عليهم تقديم الدعم العاطفي المطلوب لأطفالهم.
حبيبتي من تكون 2 الحلقة 347

ومع ذلك، لا يعني هذا أنه يجب على الآباء أن يكونوا مثاليين في جميع الأوقات. التربية الواعية لا تخلو من الأخطاء، بل تتعلق بالقدرة على إعادة المحاولة مرارًا وتكرارًا، وقبول الماضي دون الشعور بالذنب، والتركيز على اللحظة الحالية.

فوائد الاستجابة الواعية

  • تعزيز الوعي بالمشاعر والأفكار.
  • تحسين فهم احتياجات الطفل ومشاعره.
  • زيادة القدرة على التحكم بالعواطف.
  • تقليل النقد الذاتي وانتقاد الطفل.
  • تعزيز العلاقة بين الوالدين والأطفال.

خطوات للتطبيق

يمكنك البدء بتطبيق الاستجابة الواعية عبر التركيز على:

فهم المحفزات العاطفية

تبدأ الاستجابة الواعية بالتعرف على المحفزات الشخصية التي تسبب ردود الفعل السلبية. قد تكون هذه المحفزات مرتبطة بأوقات معينة، مثل نهاية يوم مرهق، أو ذكريات من الطفولة تؤثر في طريقة استجابتنا لسلوكيات أطفالنا.

على سبيل المثال، قد يثير تصرف مثل رمي الطعام شعورًا بالخجل، أو قد يذكّرنا أداء الطفل الدراسي بمواقف مؤلمة عشناها مع أهلنا. التعرف على هذه المحفزات يساعدنا على التفاعل بشكل أكثر هدوءًا وتفهمًا.

التوقف قبل الرد

في المواقف المثيرة للتوتر، يمكن أن يكون التوقف للحظة والتنفس العميق هو المفتاح لتجنب التفاعل الغاضب. التركيز على التنفس يهدئ الجهاز العصبي، ويمنحنا الوقت للتفكير قبل الرد. هذه الخطوة تتيح لنا اختيار الطريقة المثلى للتعامل مع الموقف، بدلاً من الانجراف وراء مشاعرنا.

الاستماع لمشاعر الطفل

من الطبيعي أن يواجه الأطفال صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو التحكم فيها. عندما يخطئ الطفل أو يتصرف بعناد، يمكن للآباء الاستماع إلى وجهة نظره دون حكم مسبق. هذا يساعد الأطفال على الشعور بالفهم والاحتواء، ويعلمهم كيفية التعامل مع مشاعرهم بشكل صحي.

رعاية الذات.. أساس الاستجابة الواعية

الرعاية الذاتية ليست ترفًا للوالدين، بل هي ضرورة. إذا كان الأهل يستنزفون طاقتهم دون أخذ وقت للاعتناء بأنفسهم، يصبح من الصعب التحكم بمشاعرهم في أثناء الأزمات اليومية. يمكن أن تكون الرعاية الذاتية بسيطة مثل كتابة اليوميات، أو أخذ استراحة قصيرة، أو حتى مجرد التنفس بعمق لبضع دقائق.

أحيانًا، قد لا نتمكن من التوقف عن التفاعل الغاضب، ولكن حتى في هذه اللحظات، يمكننا أن نعتذر لأطفالنا ونوضح لهم أن الخطأ جزء من التعلم.

ختامًا، فإن الاستجابة الواعية ليست رحلة سهلة، ولكنها تستحق بذل الجهد. عندما يتعلم الآباء كيفية التحكم بمشاعرهم والاستجابة بدلًا من التفاعل، فإنهم لا يعززون علاقتهم بأطفالهم فقط، بل يقدمون لهم نموذجًا حقيقيًّا للتعامل مع التحديات اليومية.