فيروز: صوت الحب والسلام في العالم العربي
فيروز؛ الاسم الذي يحيي كل صباح في قلوب محبي الموسيقى في العالم العربي، ليست مجرد مطربة، بل هي رمز فني وإنساني يتجاوز حدود الزمان والمكان. بفضل صوتها الدافئ الذي يمزج بين القوة والرقة، أصبحت فيروز تجسيدًا للحب والسلام والوطنية. إن مسيرتها الفنية التي تمتد عبر عقود طويلة مليئة بالتجارب والنجاحات، جعلتها "صوت لبنان الخالد" وواحدة من أعظم الشخصيات الموسيقية في تاريخ العالم العربي. في هذا التقرير، نغوص في تفاصيل حياة فيروز ومسيرتها الفنية التي جعلتها أسطورة خالدة.
نشأة جارة القمر "فيروز"
ولدت نهاد رزق وديع حداد، المعروفة باسم فيروز، في 21 نوفمبر من عام 1935 في قضاء الشوف بجبل لبنان. نشأت في حي زقاق البلاط القديم بالقرب من العاصمة اللبنانية، بيروت، في عائلة بسيطة حيث كان والدها يعمل في مطبعة صغيرة لتأمين لقمة العيش. لقد كانت تلك البيئة الشعبية التي ترعرعت فيها محملة بالتحديات، لكنها أسهمت في تشكيل شخصيتها الفنية الفريدة.
منذ طفولتها، كانت نهاد تعيش شغفًا بالغناء، وغالبًا ما كانت تتسلل إلى أجواء الطفولة بأغانيها الحالمة. وقد لاحظ معلموها في المدرسة موهبتها الاستثنائية، مما شجعها على الغناء في المناسبات المدرسية، وهذا كان بمثابة الخطوة الأولى نحو تحقيق حلمها الكبير.
التحاقها بالإذاعة اللبنانية
في عام 1947، بدأت نهاد رحلتها الفنية عندما انضمت إلى فرقة الإذاعة اللبنانية كمغنية كورال. سرعان ما لفت صوتها النقي انتباه الملحن الكبير حليم الرومي، الذي كان يدير الإذاعة آنذاك. كانت أغنيتها "تركت قلبي وطاوعت حبك" هي أول أغانيها التي قدمتها عبر الإذاعة في عام 1950، لكن لم يتم تسجيلها في ذلك الوقت. بعدها، لحن الرومي العديد من الأغاني لفيروز، مثل "عاشق الورد" و"يا حمام يا مروح".
شراب التوت مدبلج 2 الحلقة 111
في عام 1952، أطلقت أغنيتها الشهيرة "بحبك مهما أشوف منك"، وفتحت لها الأبواب لتقديم المزيد من الأعمال مثل "لنا بلادنا" و"ميسلون". وقد كان حليم الرومي مقتنعًا بأن صوتها منفرد في جماله، لذا اقترح عليها اسم "فيروز" الذي يعني الحجر الكريم، ليعكس جمال صوتها الفريد. ومع ذلك، كانت نقطة التحول الحقيقية في مسيرتها الفنية عند لقائها بالأخوين رحباني.
تعاون فيروز مع الأخوين رحباني
في أواخر الأربعينيات، التقت فيروز بعاصي رحباني، الذي كان يعمل مع شقيقه منصور على تطوير نوع موسيقي جديد. أدرك الأخوان أن صوت فيروز يمتلك القدرة على دمج الموسيقى الشرقية والغربية بأسلوب مبتكر ومختلف. بدأت فيروز تقديم أغاني تحمل طابعًا جديدًا تمامًا عن السائد في ذلك الوقت، ومن أبرز هذه الأغاني "عتاب" و"راجعون"، التي كانت مليئة بالحنين والشجن. ومع مرور الوقت، أصبح الثلاثي (فيروز والأخوان رحباني) أيقونة للموسيقى الحديثة في لبنان والعالم العربي.
نجاح "فيروز" في المهرجانات الكبرى
استطاعت فيروز أن تصبح الوجه المشرق للمهرجانات اللبنانية الكبرى، مثل:
- مهرجان بعلبك الدولي، حيث قدمت عروضًا ساحرة أمام جمهور واسع.
- مهرجان الأرز، الذي عزز مكانتها كرمز للبنان.
- مهرجان دمشق الدولي، حيث لقيت أعمالها تقديرًا كبيرًا من الجمهور السوري.
في تلك المهرجانات، قدمت أغاني مثل "زهرة المدائن" و"بحبك يا لبنان"، التي لاقت رواجًا واسعًا، لتصبح صوتًا يمثل القيم الوطنية والحب للوطن.
فيروز والمسرح الغنائي
تميزت مسيرة فيروز بتقديم المسرحيات الغنائية، وهو نوع فني يجمع بين الغناء والتمثيل والموسيقى. قدمت مع الأخوين رحباني أكثر من 15 مسرحية، أبرزها:
- بياع الخواتم
- هالة والملك
- الشخص
- جسر القمر
- الليل وقنديل
- ميس الريم
- بترا
- المحطة
كانت هذه المسرحيات أكثر من مجرد عروض غنائية؛ بل كانت مزيجًا من الفن المسرحي والشعر والرسائل السياسية والاجتماعية، مما جعلها تأخذ مكانة خاصة في قلوب عشاق الفن.
فيروز في عالم السينما
إلى جانب إبداعها في الغناء والمسرح، تألقت فيروز أيضًا في عالم السينما، حيث قدمت مجموعة من الأفلام التي حققت نجاحًا باهرًا وما زالت تُعرض حتى اليوم. قدمت أدوار البطولة إلى جانب نخبة من الممثلين اللبنانيين، وأبرز أفلامها تشمل:
فيلم بياع الخواتم
يُعتبر من أجمل أفلام فيروز السينمائية، حيث شاركت فيه بدور البطولة مع الفنان نصري شمس الدين والفنان جوزيف ناصيف. عرض الفيلم للمرة الأولى في عام 1965 بإخراج يوسف شاهين وتأليف الأخوين رحباني.
فيلم سفر برلك
عُرض هذا الفيلم للمرة الأولى في لبنان عام 1967، كتبه الأخوان رحباني وأخرجه هنري بركات، وشارك في البطولة إلى جانب فيروز كل من عاصي رحباني ورفيق سبيعي وسلوى حداد.
فيلم بنت الحارس
تم عرض هذا الفيلم عام 1968، ويُعتبر من أبرز الأفلام العربية واللبنانية، حيث جسدت فيه فيروز دور البطولة إلى جانب ممثلين بارزين مثل نصري شمس الدين ورفيق سبيعي.
فيروز والحرب الأهلية اللبنانية
مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، أصبحت أغاني فيروز أكثر ارتباطًا بالشأن الوطني. ومن أغاني تلك الفترة:
- بحبك يا لبنان
- لبيروت
- إلى متى يا رب
خلال هذه الفترة، رفضت فيروز الانحياز لأي طرف سياسي، مما جعلها رمزًا للوحدة الوطنية، واحتفظت بمكانتها كصوت محايد يعبر عن هموم الشعب.
تأثير وفاة عاصي رحباني في فيروز
كان عام 1986 عامًا صعبًا على فيروز بسبب فقدان عاصي رحباني، شريكها في الحياة والفن. ومع ذلك، واصلت مسيرتها الفنية بشجاعة، حيث تعاونت مع ابنها زياد الرحباني، الذي أضاف أسلوبًا موسيقيًا جديدًا وأكثر حداثة. تعاونت مع زياد في ألبومات مثل:
- كيفك إنت
- مش كاين هيك تكون
- بليل وشتي
أبرز الجوائز التي حصلت عليها السيدة فيروز
حصلت السيدة فيروز على العديد من الجوائز والأوسمة الرفيعة تقديرًا لموهبتها وإسهاماتها الكبيرة في الفن والموسيقى. ومن أبرز الجوائز التي نالتها:
وسام الاستحقاق اللبناني
في عام 1957، حصلت فيروز على وسام الاستحقاق اللبناني من الرئيس اللبناني كميل شمعون، مما يعكس تقدير الدولة لمساهماتها الفنية الكبيرة.
وسام الأرز - رتبة فارس لبنان
في عام 1962، تم تكريم فيروز مرة أخرى بمنحها وسام الأرز - رتبة فارس لبنان، مما أضاف إلى سجّلها الحافل بالإنجازات التقديرية.
ميدالية الكرامة
في عام 1963، قدم لها الملك الحسين ميدالية الكرامة؛ تكريماً لمساهمتها الثقافية والفنية.
وسام الاستحقاق السوري
في عام 1976، حصلت فيروز على وسام الاستحقاق السوري، تكريمًا لمكانتها الكبيرة في الساحة الفنية العربية.
طوابع بريدية تذكارية
في عام 1975، أصدر البريد اللبناني طوابع بريدية تحمل صورة فيروز كنوع من التكريم والتقدير لإسهاماتها الثقافية والفنية.
وسام الكوموندور الفرنسي
في عام 1988، تم منح فيروز وسام الكوموندو ر من فرنسا، تكريماً لجهودها الفنية العالمية.
وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى
منحها الملك الحسين أيضًا وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، تقديراً لمساهمتها في نشر الثقافة والفن العربي.
جائزة القدس
في عام 1997، حصلت فيروز على جائزة القدس من فلسطين، كاعتراف بمكانتها الفنية الكبيرة.
وسام الثقافة الرفيعة من تونس
تم تكريم فيروز بـوسام الثقافة الرفيعة من تونس، تقديرًا لإسهاماتها الفنية في الثقافة العربية.
ميدالية الفن الفرنسية
في عام 1997، حصلت على ميدالية الفن من فرنسا، تقديرًا لإبداعها الفني الفريد.
ميدالية الإسهام الاستثنائي من الدرجة الأولى
منحها الملك الحسين ميدالية الإسهام الاستثنائي من الدرجة الأولى، تقديراً لدورها البارز في مجال الفن.
الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت
في خطوة تاريخية، حصلت فيروز على الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت، لتكون أول مطربة في العالم العربي تحصل على هذا اللقب.
آراء كبار المشاهير بصوت فيروز
نزار قباني
وصف صوت فيروز بأنه أعظم ما سمع في حياته، مشيرًا إلى أنه صوت فريد في الشرق والغرب. قال إنها "رسالة حب من كوكب آخر"، وأكد أن كل الكلمات تعجز عن وصفها.
محمود درويش
اعتبر محمود درويش فيروز ظاهرة طبيعية لا مثيل لها، مشددًا على أن صوتها يتجاوز حدود الذاكرة.
محمد عبد الوهاب
أشاد بها كـ"معجزة لبنانية"، واعتبر صوتها الأرق والأجمل بين كل الأصوات.
منصور الرحباني
أكد أن فيروز كانت ظاهرة استثنائية منذ ظهورها الأول، مشيرًا إلى أن صوتها وأداءها لن يتكررا.