-

عيد ميلاد فيروز التسعين رمز الموسيقى العربية

(اخر تعديل 2024-11-20 16:35:52 )
بواسطة

بصوتها العذب الذي أصبح رمزًا للدفء والسلام، وبموهبتها الفريدة التي لا تزال تلهم أجيالًا متتالية، تحتفل الفنانة اللبنانية فيروز بعيد ميلادها التسعين. لقد استمرت مسيرتها الفنية لعقود طويلة، حيث تحولت من فتاة خجولة في زقاق البلاط ببيروت إلى أيقونة للفن العربي وسفيرة للموسيقى اللبنانية إلى جميع أنحاء العالم. ومع مرور الزمن، لا تزال فيروز تمثل عنوانًا للرقي والتجديد، حيث ساهمت أعمالها في تشكيل وجدان الشعوب العربية، وحجزت مكانة راسخة لا تزول في تاريخ الفن.

صور نادرة لفيروز جارة القمر بمناسبة عيد ميلادها الـ90

الطفولة والبدايات الفنية

وُلدت نهاد وديع حداد، المعروفة باسم فيروز، في 20 نوفمبر 1935 في منطقة الشوف بجبل لبنان. نشأت في حي زقاق البلاط في بيروت، في أسرة متواضعة. كانت طفلة خجولة، مرتبطة بجدتها، وقضت طفولتها بين أجواء الطبيعة في الشوف وأجواء المدينة الصاخبة. أظهرت ميولها الفنية في سن مبكرة، حيث كانت تفاجئ عائلتها وجيرانها بالغناء في ليالي الشتاء الباردة.

كانت عائلتها تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، مما دفعها للاستماع إلى الموسيقى عبر راديو الجيران أو أثناء مساعدتها لوالدتها في الأعمال المنزلية. استلهمت نهاد ألحانها الأولى من عمالقة الطرب في ذلك الوقت، مثل أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، وأسمهان.

اكتشاف الموهبة والانطلاقة

في عام 1947، اكتشف محمد فليفل موهبتها خلال إحدى الحفلات المدرسية، وفتح لها باب الانضمام إلى كورس الإذاعة الوطنية اللبنانية. بعد أربع سنوات من التدريب المكثف، قدّمها حليم الرومي إلى الجمهور، وأطلق عليها اسم "فيروز". قدمت أولى أغانيها التي نالت استحسانًا واسعًا، مثل "يا حمام يا مروح"، و"بحبك مهما أشوف منك"، لتبدأ فصلًا جديدًا في حياتها الفنية.

التعاون مع الأخوين رحباني

في الخمسينيات، التقت فيروز بالأخوين رحباني، وبدأت معهم رحلة فنية استثنائية. شكل هذا التعاون طفرة في الموسيقى العربية، حيث قدّموا أكثر من 800 أغنية و15 مسرحية غنائية. مزجت أغانيها بين الأصالة والحداثة، وتنوعت مواضيعها بين الحب، الوطن، والقضايا الاجتماعية، وهو ما أكسبها ألقابًا عديدة مثل "جارة القمر" و"سفيرة النجوم".
فريد 3 مدبلج الحلقة 416

سطع نجم فيروز على مسارح كبرى مثل مهرجان بعلبك ودمشق، ووصل صدى صوتها إلى المسارح العالمية مثل لاس فيغاس.

فيروز والوطنية والإنسانية

لم يكن صوت فيروز مخصصًا للحب فقط، بل غنّت للوطنية والقضايا الإنسانية الكبرى. قدّمت أغنيات خالدة عن القدس وفلسطين، وغنّت للحياة البسيطة وللبنان، مستعيدة روح الهوية الوطنية في لحظات حرجة من تاريخ بلدها.

فيروز.. محطات مؤثرة في حياة أيقونة الغناء العربي

لطالما كانت حياة الفنانة الكبيرة فيروز مليئة بالمحطات المؤثرة التي تركت بصمتها في مسيرتها الفنية والشخصية. واحدة من هذه اللحظات المؤلمة حدثت عام 1961، عندما فقدت والدتها في نفس يوم تسجيلها لأغنيتها الشهيرة "يا جارة الوادي". ورغم الحزن العميق الذي عاشته، تمكنت فيروز من تجاوز المحنة، واستمرت في إبداعها الفني الذي ألهم الملايين.

وفي الثمانينيات، واجهت فيروز محطة أخرى شديدة التأثير، وهي انفصالها الفني عن الأخوين رحباني بعد سنوات طويلة من التعاون المثمر الذي أفرز أعمالًا خالدة في تاريخ الموسيقى العربية. إلا أن هذه المرحلة لم تكن نهاية المشوار، بل بداية فصل جديد في مسيرتها الفنية.

مع ابنها زياد الرحباني، قدمت فيروز أعمالًا جديدة أظهرت جانبًا آخر من موهبتها، حيث حملت ألحانه جرأة وتجدّدًا؛ مما أضاف بعدًا جديدًا لتجربتها الغنائية، مؤكدًا قدرتها على مواكبة التحولات الفنية دون التخلي عن أصالة صوتها وروحها الإبداعية.

هكذا، ظلت فيروز رمزًا للتحدي والإبداع، مستمرة في رسم ملامح استثنائية في تاريخ الفن العربي.

الأوسمة والتكريمات

على مدار مسيرتها، حصدت فيروز العديد من التكريمات من دول عربية وعالمية. حصلت على وسام الشرف من ملك الأردن عام 1963، ووسام جوقة الشرف الفرنسي عام 2020 من الرئيس إيمانويل ماكرون. كما حظيت بتقدير العديد من القادة، مثل فرانسوا ميتران وجاك شيراك.

إرث فيروز الفني

قدّمت فيروز ثورة موسيقية حقيقية من خلال الأغاني القصيرة ذات المعاني العميقة، مخالفةً التقاليد السائدة في الموسيقى آنذاك. أغانيها التي تتسم بالبساطة والعمق لا تزال محفورة في الذاكرة العربية. في عام 2015، تم تحويل منزل طفولتها إلى متحف يجسد إرثها الثقافي والفني.

أيقونة خالدة

فيروز ليست مجرد مطربة؛ إنها رمز للموسيقى العربية التي تجاوزت حدود المكان والزمان. بصورها النادرة وأغانيها الخالدة، ستبقى "جارة القمر" شاهدة على العصر، ملهمةً للأجيال القادمة، وصوتًا لا يُنسى في ذاكرة العالم.