كيفية رعاية الأطفال بعد فقدان أسرهم
تربية الأطفال تعد من المهام الأكثر تعقيدًا على الإطلاق، فماذا عن الأطفال الذين عانوا من فقدان أسرهم الأصلية أو مروا بتجارب صعبة وقاسية مليئة بالصدمات؟ هنا، تصبح هذه المهمة أكثر حساسية وتتطلب من الأهل بالتبني أو الرعاية أدوات خاصة تعتمد على فهم عميق لتأثيرات الصدمة وكيفية معالجتها.
الأطفال الذين يعيشون في نظام الرعاية البديلة غالبًا ما يواجهون تحديات عاطفية ونفسية متعددة؛ البعض منهم تعرض للإهمال أو الإساءة، بينما يعاني الآخرون من ألم الفقد حتى عن بيئات كانت مؤذية بالنسبة لهم، لكنهم اعتادوا عليها. هذه الجروح غير المرئية قد تتجلى في شكل قلق، اكتئاب، اضطرابات سلوكية، أو حتى أفكار انتحارية، مما يجعل التدخل المبكر والدعم العلاجي أمرًا حتميًا وليس مجرد خيار.
مخاطر لا يمكن تجاهلها أثناء التبني
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال في الرعاية البديلة معرضون للانتحار بمعدلات أعلى تصل إلى خمسة أضعاف مقارنة بنظرائهم، كما أن احتمال دخولهم النظام القضائي يزيد بشكل كبير، خاصة مع تزايد تنقلاتهم بين أماكن الإقامة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني هؤلاء الأطفال من اضطرابات نفسية وسلوكية معقدة، بدءًا من القلق والاكتئاب، وصولًا إلى اضطرابات الشخصية والإدمان والتشرد إن لم يتلقوا الدعم المناسب.
نموذج يساعدك على التعامل مع طفل التبني
لتوضيح كيفية رعاية هؤلاء الأطفال، قدمت المتخصصة جينيت يوف نموذجًا أطلقت عليه "فطيرة الأبوة بالتبني"، والذي تم نشره في مقال لها على موقع Psychology Today. كل "شريحة" من هذه الفطيرة تحتوي على مبدأ أساسي يساعد الأهل في توفير بيئة مناسبة للشفاء والدعم.
1. بناء التعلق الآمن
الأمان هو لغة الشفاء الأولى. التواصل غير اللفظي يلعب دورًا محوريًا؛ نظرة العين الهادئة، نبرة الصوت المتفهمة، وحركات الجسد المطمئنة تعزز شعور الطفل بالثقة. يجب أن نفهم أن مقاومة الطفل أو هجومه ليست تحديًا شخصيًا، بل هي صرخة خوف تتطلب حضنًا دافئًا.
2. فهم أثر الصدمات
الدماغ الذي اعتاد الخطر يبقى في حالة تأهب دائم. بدلاً من سؤال الطفل "ما مشكلتك؟"، يجب علينا أن نسأل السؤال الأعمق: "ماذا حدث لك؟". الأنشطة مثل الموسيقى، الرسم، أو العلاج بالحيوانات تساعد على تهدئة الجهاز العصبي واستعادة الإحساس بالأمان.
3. سرد القصة الشخصية
من أقوى وسائل العلاج أن يساعد الأهل الطفل على إعادة سرد قصته وفهم ما مر به. هذه العملية تمنح الطفل هوية متماسكة وتعيد له الإحساس بالقيمة. أدوات مثل "دفتر رحلة التبني" تساعد الأطفال على التعبير عن مشاعرهم ورسم أحداث حياتهم بطريقة علاجية.
4. الوعي بالجسد والدماغ
الصدمة تُخزن في الجسد، لذا قد يشعر الطفل بانهيار سريع عند مواجهة مواقف بسيطة. يمكن للأهل مساعدته من خلال سؤاله عن مكان شعوره بالتوتر في جسده، أو عبر أنشطة مثل اللعب بالصلصال، التأمل، أو تمارين التنفس.
5. الحركة والتغذية
التنظيم العاطفي يسبق التفكير. المشي، الرقص، التنفس المنتظم أو العزف الإيقاعي يساعد على تهدئة الدماغ. التغذية السليمة وتقليل السكريات جزء أساسي من تحقيق الاستقرار النفسي.
6. دعم الأهل أنفسهم
الأمر ليس سهلاً بالنسبة للأهل بالتبني. فهم أيضًا بحاجة إلى شبكات دعم، مجموعات مساعدة، أو حتى جلسات استراحة للتخفيف من الضغط. فكلما شعر الأهل بالقوة والدعم، كلما انعكس ذلك إيجابيًا على قدرتهم على رعاية الطفل.
الأطفال في الرعاية البديلة يحملون جروحًا قد لا تُرى، لكنهم يستحقون فرصًا حقيقية للشفاء والنمو. إن اتباع نهج قائم على التعاطف والوعي بالصدمات يمكن أن يحول المنزل إلى مساحة أمان تُعيد للطفل ثقته بنفسه وبالعالم من حوله. وكما تقول جينيت يوف: "الشفاء ليس مهمة تُنجز في يوم، بل هي رحلة تُبنى شريحة بعد أخرى".