-

قصص مؤلمة وفقدان الأمل في الأمومة

(اخر تعديل 2025-10-15 09:11:54 )
بواسطة

عندما تلقيت الخبر المحزن من الطبيبة، بأن نبض طفلتي قد توقف، شعرت وكأنني فقدت إدراكي لكل ما هو حولي. كانت تلك اللحظات تمر وكأنها ساعات، بينما كان الجميع من حولي يبكون. كنت أنظر إليهم، لكنني لم أستوعب ما يحدث.
ليلى مدبلج الحلقة 201

هذه الكلمات تمثل جزءًا من تجربة الفاشينيستا "بتول عقاد" في تلقي خبر فقدان ابنتها نور، بعد محاولات عديدة مع التلقيح الصناعي. جاءت هذه المشاركة في اليوم العالمي لتذكار فقدان الحمل والرضع، الذي يصادف 15 أكتوبر.

هذا اليوم يمثل دعوة مفتوحة للأفراد والمنظمات لرفع الوعي حول التأثير العميق لفقدان الحمل والرضيع على العائلات. هذه الظاهرة أكثر شيوعًا مما يدركه العديد من الناس، حيث تشير التقارير إلى أن أكثر من 30% من حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

في إطار مشاركتنا في هذه الحملة التوعوية، أجرينا حوارًا مع بتول لتروي لنا قصتها مع فقدان طفلتها نور، مشاعرها، وطرق التعامل مع الفقد، لتكون بمثابة مرجع لكل من يمر بتجربة مشابهة ويبحث عن إجابات وطرق للتغلب على الحزن والألم.

قصة فقدان طفل.. مع بتول عقاد

كيف تتذكرين اللحظات الأولى بعد ولادة طفلتك، وما الذي ترك أثرًا لا يُمحى في قلبك؟

تجربة الفقد تُعتبر من أقسى التجارب الإنسانية التي تمر بها أي أم. مشاعرها لا تُنسى مهما مر الزمن. قد يبدو الأب أو الأم متماسكين أمام الآخرين، لكن داخلهما جرح عميق لا يلتئم، يعود ليظهر في لحظات الضعف. فقدان طفل ليس كفقدان قريب أو صديق، إنه كفقدان جزء من الروح وقطعة من القلب.

قبل أن أعيش تجربة الولادة، كنت أعتقد أن الألم الذي سأواجهه هو ألم جسدي فقط، كما أخبرتني الأمهات من حولي. كنت مستعدة لتحمّل المخاض وآلامه، لكن لم أكن مستعدة لتجربة مختلفة تمامًا. عندما دخلت إلى ولادة طفلتي الأولى، كنت أعلم مسبقًا أنها ستأتي إلى الدنيا بلا حياة، فقد توقفت نبضات قلبها تمامًا.

وهنا اجتمعت مشاعر الألم والخوف في داخلي، وبدأت أطرح على نفسي سؤالًا صعبًا:
هل يجب أن أراها عندما تولد، لتبقى صورتها عالقة في ذاكرتي للأبد؟ أم أختار ألّا أراها رحمةً بقلبي وعقلي؟

كان هذا السؤال يرافقني مع كل انقباض وكل لحظة ألم، خاصةً أنني ولدت في ظروف صعبة، غرفة فارغة لا يوجد فيها أي كادر طبي، فقط أختي بجانبي، دون طبيبة أو توجيه. كان كل ما أتمناه هو أن تنتهي عملية الولادة بسرعة.

وعندما جاءت اللحظة، اتخذت القرار الأصعب: لم أرها. لم يكن القرار سهلاً أبدًا، فقد فكرت طويلاً في أنني قد أندم لاحقًا. لكنني أدركت أن الألم موجود في كل الأحوال؛ سواء رأيتها أو لم أرها. في تلك اللحظة، بدا لي أن الخيار الأخف على قلبي هو ألّا أراها.

عندما مررتِ بتجربة الفقد، ما الذي كان أصعب ما واجهتِه في تلك الفترة؟

أصعب ما واجهته كان التعامل مع مشاعري. في بيئتنا العربية نفتقد كثيرًا إلى مهارات الذكاء العاطفي، فلا نُربّى على كيفية فهم مشاعرنا أو التعبير عنها. خلال رحلتي الطويلة، من محاولات التلقيح الصناعي وحتى الولادة، وجدت نفسي أعيش مزيجًا متناقضًا من الأحاسيس: أضحك وأبكي، أغضب وأبتسم في نفس الوقت.

كنت أشعر أيضًا بيقين عميق أن الله اختارني لهذه التجربة وزرع في داخلي قوة خاصة لأتحملها، لكنني لم أستطع أن أرى هذه الحقيقة بوضوح إلا بعد مرور الوقت. في لحظات التجربة نفسها، كنت أتساءل: لماذا أنا؟ لماذا لا أستطيع الوصول إلى النهاية السعيدة كغيري من النساء اللواتي مررن برحلة التلقيح الصناعي؟

ما زاد الأمر قسوة أنني لم أسمع من قبل عن هذه الجوانب المؤلمة: الفشل في التلقيح، الإجهاضات المتكررة، أو احتمالية الفقد. كنت أرى فقط القصص التي تنتهي بالفرح وولادة طفل سليم، لذلك بدا واقعي مختلفًا وصادمًا. ولهذا السبب قررت مشاركة تجربتي، حتى أرفع الوعي بما قد تخفيه هذه الرحلات من آلام وتحديات لا يعرفها المجتمع.

في النهاية، قد يكون من بيننا من كُتب له ألّا يترك سلالة على هذه الأرض، وهذه حقيقة مؤلمة لكنها جزء من أقدارنا. الأصعب دائمًا كان التعامل مع كل تلك المشاعر المتناقضة دفعة واحدة، خاصة أننا كجيل لم نتعلم كيف نتصالح مع عواطفنا أو نديرها بشكل صحي.

كيف انعكس هذا الحدث على نظرتك للحياة والأمومة؟

بعد مرور سنة وشهرين تقريبًا على تجربة الفقد، أستطيع القول إن الصورة لم تكتمل بعد. لم أتجاوز الألم كليًا، لكنه أصبح جزءًا من حياتي وتصالحت معه. بتّ أستطيع الحديث عنه بهدوء، دون انهيار كما في البداية، وأكافئ نفسي في كل مرة أجدني قادرة على استرجاع التجربة دون دموع مرهقة.

تعلمت أن كل شيء في الحياة له توقيته المناسب، وأصبحت أكثر اقتناعًا بأن الأمومة ليست مجرد وجود طفل بين يديك، بل هي شعور داخلي وطاقة عاطفية قد تسكن امرأة لم تنجب بعد، وتغيب أحيانًا عن أخريات رغم إنجابهن.

ما خرجت به من هذه التجربة القاسية، أن الله يهيئني لأكون أمًا أكثر نضجًا ووعيًا، أماً تعرف قيمة الصبر وتدرك بعديه: العاطفي والإنساني. بتّ أتعلم أكثر عن الأطفال، وأهتم بجسدي ونفسي استعدادًا لاستقبال القادم.

من كان السند الأكبر لكِ بعد الفقد، وكيف ساعدك هذا الدعم في الاستمرار؟

أؤمن أن من لم يعش تجربة الفقد ذاتها، قد لا يستطيع استيعاب عمقها أو منح الدعم الحقيقي الذي يحتاجه القلب في تلك اللحظات. بالنسبة لي، كان زوجي وبعض الصديقات اللواتي مررن بالتجربة نفسها هم السند الأصدق.

كلماتهم كانت أقرب لقلبي، لأنني أعرف أنهم يفهمون ما أشعر به حقًا. لذلك أرى أن مجموعات الدعم للأشخاص الذين عاشوا التجربة ذاتها مهمة جدًا، فالمشاركة المتبادلة تخفف من ثقل الألم، وتمنح الإنسان شعورًا بأنه ليس وحيدًا في حزنه.

زوجي كان دعمي الأكبر. ورغم اختلاف طريقة كلٍ منا في التعبير عن حزنه، إلا أننا كنا نتشارك في الفقد نفسه، ونتكئ على بعضنا البعض. ورغم طبيعته الهادئة التي لا تميل إلى التعبير الكثير، إلا أن هذه التجربة فتحت له مساحة ليشارك مشاعره معي.

هل وجدتِ في مشاركة مشاعرك أو الحديث عنها وسيلة للتخفيف من الألم؟

بالتأكيد. المشاركة بحد ذاتها علاج. مجرد الإحساس بأنني لست وحدي في هذه الرحلة كان كافيًا لتخفيف الكثير من الألم. الدراسات تؤكد ذلك، فالتعبير عن المشاعر أو مشاركة الأسرار يحرر الإنسان من ثقلها، ويجعل الحمل أخف عندما يُقتسم بين القلوب.

أتذكر أنني كنت أتعرض لتعليقات قاسية حول وزني الذي ازداد بسبب العلاجات والإبر وعمليات التلقيح الصناعي. لكن بعد أن شاركت قصتي علنًا، تغيّرت النظرة. الناس بدأوا يفهمون خلفية ما أمرّ به، وصارت التعليقات السلبية تختفي لتحل محلها مشاعر التفهم واللطف.

ما الرسالة التي ترغبين في توجيهها للأمهات اللواتي مررن أو يمررن بتجربة مشابهة؟

الوقت والصبر هما مفتاح التخفيف من هذا الألم. في البداية تبدو التجربة قاسية جدًا، لكن مع مرور الأيام يهدأ وقعها تدريجيًا. أنصح كل أم أن تدرك أن قوتها الحقيقية تنبع من داخلها، فهي وحدها القادرة على انتشال نفسها من هذه المرحلة بأقل الأضرار النفسية الممكنة، عبر الوعي وتثقيف الذات.

سلامتك النفسية هي الأساس، فإذا كانت روحك متزنة وصحيحة، يصبح التعامل مع كل ما حولك أهون. بالنسبة لي، ساعدتني متابعة البودكاست والبحث عن مصادر تثقيفية، حتى أنني استمعت لطبيبة نفسية شرحت تجربة الفقد بطريقة بصرية عميقة.

هل ترين أن الحديث عن فقدان الأطفال في المجتمع كافٍ، أم ما زال بحاجة إلى مساحة أوسع من التوعية والدعم؟

لا أعتقد أنه كافٍ أبدًا، بل نحن بحاجة ماسّة إلى مساحة أوسع من التوعية والدعم، بل وحتى إلى وجود منظمات في كل دولة تُعنى بالأمهات والآباء الذين يمرون بتجربة فقدان الأطفال، تقدم لهم الدعم النفسي والإنساني الذي يحتاجونه.

في مجتمعاتنا ما زالت التجربة تُقابل أحيانًا بالتسخيف أو العبارات الجاهزة مثل: "الله يعوّضك"، دون وعي بمدى الألم الذي يتركه الفقد. هذا التجاهل يضاعف من معاناة الأهل، ويجعل الألم أكبر.

لذا، أشعر بالامتنان لأن الله منحني القوة لأكون بمثابة شعاع نور لكثير من الأمهات اللواتي مررن بهذه المحنة، من خلال مشاركتي في لقاءات أو بودكاست أو مقالات، أحاول أن أنقل لهن ما عشته من مشاعر ومراحل.