-

فن الحضور في لحظات الفقد

(اخر تعديل 2025-05-14 08:11:35 )
بواسطة

تمرّ علينا في الحياة لحظات وداع صعبة، حيث نشعر بوطأة الفقد على قلوبنا، وتضطرب الكلمات في ألسنتنا. نحتار في كيفية التعبير عن مشاعرنا، نتساءل: هل يجب أن أكون أول من يتحدث؟ ماذا أقول؟ هل يكفي أن أكون صامتًا بجانبهم؟

هنا يظهر مفهوم "إتيكيت الحزن"، وهو فن التعامل مع لحظات الغياب بطريقة تعكس الاحترام والدعم للآخرين. إن هذا النوع من الإتيكيت لا يُعتبر مجرد قواعد اجتماعية باردة، بل هو دليل إنساني يوجهنا نحو كيفية تقديم العزاء والدعم للآخرين دون تجريح أو تصنّع.

إتيكيت العزاء

تقديم التعازي يتجاوز مجرد إبداء التعاطف. إنه يتطلب كلمات تعبر عن مشاعرك الحقيقية دون أن تزيد من آلام الشخص المكلوم. إليك بعض النصائح المهمة:

1- لا تفرض حضورك ولا تغيّب نفسك

من أبرز قواعد إتيكيت الحزن أن تدرك أن الحضور الهادئ يمكن أن يُعبّر عن الكثير من المشاعر.

إذا كنت قريبًا من الشخص الذي يعاني من الفقد، فلا تتردد في إرسال رسالة بسيطة تعبر عن تعاطفك. أما إذا كنت في دائرة معارف أوسع، فلا حرج في انتظار الوقت المناسب للتواصل. فالمواساة تقاس بالصدق، وليس بالسرعة.

2- الصمت الذكي أبلغ من الكلمات

ليست كل الكلمات مناسبة في أوقات الحزن. تجنب العبارات مثل: "هو في مكان أفضل" أو "على الأقل عاش طويلًا".

قد تكون نيتك حسنة، لكن مثل هذه الكلمات قد تُشعر الشخص بأنه مُطالَب بالتظاهر بالقوة قبل أن يشفى من حزنه. بدلاً من ذلك، استخدم عبارات بسيطة مثل: "أنا هنا معك في هذا الوقت الصعب" أو "قلبي معك، إذا احتجت شيئًا فلا تتردد في إخباري".

3- لا تسأل.. كن مبادرًا

عندما نقول: "إذا احتجت شيئًا، فأخبرني"، فإننا نلقي عبء الطلب على الشخص الحزين. بدلاً من ذلك، كن مبادرًا في تقديم المساعدة مثل:

  • تقديم وجبة طعام دون الحاجة للسؤال.
  • عرض المساعدة في إنجاز مهام بسيطة.
  • تخصيص وقت للاستماع فقط، دون تقديم نصائح أو تحليل.

4- احترم خصوصية الحزن

لكل إنسان طريقته الخاصة في التعامل مع الحزن. فبعض الأشخاص يفضلون الانعزال، بينما يفضل آخرون الحديث عن مشاعرهم. لذا، لا تفرض أسلوبك في المواساة، ولا تقارن مشاعرهم بتجاربك الخاصة.
ليلى الحلقة 33

إتيكيت الحزن يتطلب استماعًا أكبر مما يتطلب حديثًا. امنح الآخر مساحة من دون تقييم أو إبداء آراء.

5- بعد العزاء… تذكَّر أن الحزن لا ينتهي

غالبًا ما يتجمع الناس لتقديم التعازي في الأيام الأولى بعد الفقد، ثم يختفون. لكن الحزن الحقيقي قد يبدأ بعد انتهاء مراسم العزاء. لذا، فإن إرسال رسالة قصيرة بعد أسبوع، أو مكالمة بعد شهر، أو زيارة بعد فترة، هي إشارات تدل على أنك لم تكن مجرد عابر في لحظة، بل كنت سندًا حقيقيًا في فترة الغياب الطويل.

إن "إتيكيت الحزن" لا يعني التصنّع، بل يتطلب الرفق والإنسانية. يجب أن نحسن الوقوف بجانب الآخرين في لحظات ضعفهم، من دون أن نجعلهم يشعرون بأنهم مُلزَمون بالتظاهر بالقوة. إن تخفيف وطأة الفقد يحتاج إلى حضور لطيف وصدق في المشاعر، أكثر من الحاجة إلى الكلمات الكثيرة.