دور الضحية في العلاقات: تأثيراته وسبل التخلص منه
في عالم العلاقات الإنسانية، قد يتجلى التعب والإرهاق في صور متعددة. حيث لا يكون مصدر هذا التعب بالضرورة أنانية أحد الأطراف أو قسوة الآخر. بل يمكن أن يكون التعب ناتجاً عن دور نتقمصه بإتقان، وهو دور "الضحية". هذا الدور يبدو ظاهرياً بريئاً، لكنه يحمل في طياته سمومًا تفتك بالعلاقة من الداخل.
المدينة البعيدة مترجم الحلقة 26
يتسرب هذا الدور إلى العلاقة بصمت، متخفيًا خلف عبارات مثل "أنا أفعل كل شيء ولا أتلقى شيئاً"، أو "لماذا لا يُقدّرني أحد؟"، حتى يتحول إلى جوهر العلاقة ويبدأ في تآكلها تدريجياً.
من هو "الضحية" في العلاقة؟
دور الضحية ليس سمة ثابتة، بل هو سلوك قد يكون واعيًا أو غير واعٍ يتبناه أحد الطرفين. عندما يرى هذا الشخص نفسه دائماً في موقع المظلوم، يشعر بأنه مضطر لتحمل كل شيء في العلاقة دون أن يتلقى مقابلًا. وغالباً ما يميل إلى التذمر دون أن يوضح احتياجاته بشكل صريح.
يعتقد الضحية أن التضحية وحدها كفيلة بتأكيد الحب، وعندما لا يحصل على ما يتوقعه، يشعر بالخيانة ويغرق في دوامة من الإحباط.
الوقوع في فخ المظلومية
ما يجعل هذا الدور مدمّراً هو أنه يمنح صاحبه شعوراً زائفاً بالقوة، إذ يظهر كالأطيب والأكثر عطاءً، بينما في الحقيقة يتجنب تحمل المسؤولية. بدلاً من أن يقول "أنا وافقت على هذا الوضع"، يفضل أن يتحدث عن نفسه كمن "أُجبر على تحمله". هذا الانفصال بين ما يريده حقًا وما يفعله في الواقع يخلق فجوة عاطفية كبيرة.
يعطل الحوار الحقيقي
تتسبب هذه الديناميكية في تشويش التواصل، حيث يميل من يتقمص دور الضحية إلى التلميح بدلاً من التصريح، ويلوم الآخر دون مصارحته بحقيقة مشاعره.
يؤسس للابتزاز العاطفي
عندما تُستخدم معاناة الضحية كوسيلة للتحكم أو للحصول على الحب، يتحول الحب إلى عبء ثقيل.
يغذّي الشعور بالذنب لدى الطرف الآخر
يعيش الطرف الآخر في حالة من الدفاع المستمر أو الشعور بالعجز أمام توقعات لا تنتهي، مما يعيق تطور العلاقة بشكل صحي.
يقتل الشغف والاحترام المتبادل
مع مرور الوقت، يبدأ الشريك الآخر في التعامل مع الضحية كطفل متقلب، مما يؤدي إلى تآكل الشغف والاحترام المتبادل.
لماذا نتقمص هذا الدور؟
غالبًا ما تكون جذور هذا السلوك ضاربة في التربية المبكرة، حيث تربينا على أن الحب يتطلب التضحية والصبر والاحتمال. لدينا اعتقاد خاطئ بأن الشريك "الطيب" هو من يصمت ويتحمل ويرفض الاعتراف باحتياجاته. هذه الصورة الرومانسية المغلوطة تساهم في نشوء نمط مزمن من العلاقات المختلة.
كيف نتخلّى عن هذا الدور؟
- بإدراك أن الحب لا يُثبت بالألم، بل بالحضور المتبادل.
- بالتعبير الصريح عن الاحتياجات دون خجل أو تلاعب.
- بالتوقف عن استخدام اللوم كوسيلة للتقرب.
- وبتحمل مسؤولية القرارات التي نتخذها داخل العلاقة.
الضحية لا تدمر العلاقة لأنها تعاني، بل لأنها تستخدم الألم كوسيلة للتواصل، مما يستهلك طاقة العلاقة في تكرار الشكاوى والانتظار. بينما العلاقات الصحية تقوم على التوازن بين الأخذ والعطاء، وعلى صدق المشاعر، والشجاعة في الاعتراف بما نحتاجه حقاً.