الإنتاجية السامة: آثارها وطرق التعامل معها
قد يبدو أن الإنتاجية العالية في العمل هي علامة على النجاح والاجتهاد، ولكن هل فكرت يومًا في العواقب التي قد تترتب على ذلك؟ قد تكون مشغولاً بشكل دائم، تسعى للترقية أو زيادة راتبك، لكن عليك أن تتذكر أن كل إنجاز يأتي دائماً مع تكاليف. فالعواقب السلبية قد تظهر في صحتك الجسدية والعقلية، بل وحتى في علاقاتك الاجتماعية. إن ما يعرف بـ "الإنتاجية السامة" قد يكون له آثار مدمرة، ومن الضروري قياس الأهداف المستهدفة بدلاً من التركيز فقط على ساعات العمل.
ما هي الإنتاجية السامة؟
بحسب ما جاء في مجلة هارفارد للأعمال، يمكن تعريف الإنتاجية السامة بأنها الضغط غير الصحي للبقاء منتجًا طوال الوقت، غالبًا على حساب صحتنا العقلية والجسدية، بل وعلاقاتنا وجودة حياتنا بشكل عام. في واقع الأمر، هذا الشعور أصبح شائعًا جدًا في ثقافة العمل الحديثة، حيث يتم الاحتفاء بالجهود المستمرة، ولكن يجب أن نكون حذرين، فهذه الثقافة ليست فقط ضارة، بل خطيرة.
لقد نشأنا في بيئات تعزز من قيمة العمل الشاق وتعتبر الراحة نوعًا من الكسل. ومع انتشار هذه الثقافة، بدأ الكثيرون يشعرون بأن قيمتهم الذاتية تتعلق بمدى إنجازاتهم.
في أماكن العمل، يعزز الشعور بالتنافس المستمر من الإنتاجية السامة. فالمقارنات الاجتماعية قد تؤدي إلى انخفاض احترام الذات والاكتئاب، مما يجعل البعض يشعر بأنه غير كافٍ حتى لو كانت إنتاجيته طبيعية. وفي بعض الأحيان، يصبح إدمان العمل وسيلة للشعور بالسيطرة ورفع احترام الذات.
هناك نوع آخر من إدمان العمل، حيث يستخدم الشخص العمل كوسيلة للهروب من الأفكار والمشاعر السلبية، مثل المسؤوليات الأسرية أو المشاكل الاجتماعية.
توجه عالمي مادي
لقد شهدت بيئة العمل العالمية تحولًا كبيرًا بعد جائحة كورونا. قبل ذلك، كانت الشركات تشجع على فكرة "اعمل أكثر لكي تتقدم". كما أشار الدكتور مازن بكداش، المحاضر في جامعة الروح القدس، في حديث له. في تلك الفترة، كان الموظفون قادرين على تحقيق توازن بين حياتهم المهنية والشخصية، وكانت عطلات نهاية الأسبوع تعتبر وقتًا للراحة.
لكن بعد جائحة كورونا، تغير هذا المفهوم. أصبحت الشركات تركز على تحقيق الأرباح وتجاهل صحة الموظف، مما أدى إلى عدم وجود توازن بين العمل والحياة. العديد من الموظفين وجدوا أنفسهم في مواقف تتطلب منهم العمل أكثر، مما جعلهم يتعرضون للإنتاجية السامة.
هذا الضغط الذي يشعر به الموظف بسبب خوفه من فقدان وظيفته يؤدي في كثير من الأحيان إلى الاحتراق الوظيفي. وبالتالي، يجب على المديرين أن يتحدثوا مع فرقهم لفهم كيفية تقديم الدعم لهم في العمل.
اخواتي الحلقة 6
إذا كان هدف الموظف من العمل هو الترقية، فقد يقضي سنوات طويلة في نفس الشركة، وهذا ليس صحيًا. بينما نجد أن الجيل الجديد يميل إلى تغيير مكان عمله كل فترة قصيرة أو بدء مشاريعهم الخاصة.
سبل جديدة للموظف
لذا، يجب على الموظفين الذين تجاوزوا الثلاثين من العمر، والذين لا يتبعون عقلية العمل القديمة، أن يسعوا للعمل بذكاء وليس بجهد زائد. إذا كانوا يرغبون في تحسين ظروفهم الحياتية، عليهم التفكير في تغييرات جذرية في طريقة عملهم، ويجب أن تتبنى الإدارة هذا التوجه.
بعض الشركات تقدم حوافز مثل "البونس" لتحفيز الموظفين على الإنتاجية، لكن المشكلة تكمن في كيفية وضع هذه التحفيزات. على سبيل المثال، إذا طلبت شركة من موظفها تحقيق أرباح بمقدار 100,000 دولار بدلاً من زيادة المبيعات بنسبة 2 إلى 5 في المئة، فإن ذلك قد يؤدي إلى ضغط نفسي كبير على الموظف.
اعمل بذكاء وليس بجهد
يقول الدكتور ماريو عبود، المعالج النفسي، إن الإنتاجية يجب أن تحمل معاني إيجابية، ولكن الضغط الزائد لتحقيق الإنتاجية يمكن أن يكون مدمرًا. عندما يصل الشخص إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي، فإنه يؤثر سلبًا على علاقاته الشخصية والصحية. لذا، من المهم تحقيق توازن بين العمل والعائلة والصحة.
في بعض الأحيان، قد يواجه الموظف ظروفًا ضاغطة، لكن يجب أن تبقى هذه الظروف ضمن حدود معينة. إذا استمر الشخص في الاعتماد على العمل كوسيلة لإثبات شيء ما لنفسه أو للآخرين، فسوف يفقد الكثير من جوانب حياته المهمة.
لذا، يجب أن يتم توزيع الطاقة والجهد بشكل مدروس، مما يساعد على تحقيق الإنتاجية بكفاءة دون إفراط.