-

فهم المشاعر: مفتاح الصحة النفسية

(اخر تعديل 2025-05-17 10:35:32 )
بواسطة

في خضم الحياة اليومية المليئة بالضغوط والتحديات، نميل في الكثير من الأحيان إلى كبت مشاعرنا أو تجاوزها بسرعة، مما يجعلنا نشعر بالانزعاج والقلق والتوتر. قد نبرر هذه المشاعر أو نتجاهلها تمامًا، لكن ما لا ندركه هو أن هذه المشاعر، التي نعتبرها أحيانًا عبئًا، تمثل في الواقع لغة الجسد الأكثر صدقًا، وهي محاولة للتواصل وإيصال رسائل لا يمكن تجاهلها.
العبقري مدبلج الحلقة 151

توضح د. جونيس ويب، الأخصائية النفسية والباحثة في موضوع الإهمال العاطفي في الطفولة، أن المشاعر ليست مجرد حالات طارئة نحتاج إلى إسكاتها، بل هي نظام إنذار داخلي دقيق للغاية، يساعدنا على البقاء وفياً لأنفسنا، وعلى اتخاذ قرارات تتماشى مع قيمنا واحتياجاتنا الحقيقية.

المشاعر ليست "مزاجاً عابراً"... بل معلومة

كل شعور نختبره يحمل معنى ورسالة خاصة. فمثلًا، الفرح يشير إلى أننا في المكان الصحيح ويحفزنا على الاستمرار، بينما الغضب يُنبّهنا إلى حدود تم انتهاكها. الخوف يدفعنا للحذر والابتعاد، في حين يدعونا الحزن للتأمل والمراجعة. لذا، فإن المشاعر ليست عشوائية، بل هي إشارات حيوية تستوجب منا الانتباه.

لكننا نخطئ عندما نعتبر مشاعرنا دليلاً على الضعف أو الهشاشة. فقد نشأ كثيرون في بيئات لا تعطي مساحة للمشاعر، مما يجعلهم يتعلمون -وعن وعي أو غير وعي- أن كتمان مشاعرهم هو السبيل لتجنب التصنيف كأشخاص مزعجين أو عاطفيين "بزيادة".

ومع مرور الوقت، يصبح الانفصال عن المشاعر عادة راسخة، تعيق الاتصال الحقيقي بالذات.

الإنصات لما نشعر به مهارة يمكن اكتسابها

لا تتطلب العودة إلى الذات أدوات خارقة، بل تحتاج فقط إلى لحظة من الهدوء والفضول. أن تجلس مع شعورك -سواء كان قلقًا، ضيقًا، أو حتى شعورًا لا تعرف اسمه بعد- وتسمح له بالحديث، هو بداية التصالح مع الذات. لا يعني ذلك الغرق في المشاعر، بل هو الإصغاء لها بنضج ودون إصدار أحكام.

قد يكون وراء الانزعاج الذي تشعر به في موقف معين دلالات عميقة، كالرغبة في التغيير، أو الخوف من الرفض، أو حتى الحنين لما هو أكثر أصالة.

وبالتالي، فإن الإصغاء لمشاعرنا لا يعني "حل المشكلة" على الفور، بل يعني منح الشعور حق الوجود، والتساؤل بصدق: ما الذي تحاول هذه المشاعر إخبارنا به؟

لماذا هذا مهم؟

إذا تجاهلنا مشاعرنا، فإننا نستبعد أحد أهم مصادر الحكمة الذاتية. قد نعود إلى اتخاذ قرارات لا تعبر عنا حقًا، أو نستمر في علاقات تستنزف طاقتنا، فقط لأننا لم نفهم الإشارة الأولى التي حاولت مشاعرنا إرسالها.

بالمقابل، فإن الإصغاء لمشاعرنا -حتى وإن بدت مربكة- يفتح لنا الأبواب نحو علاقات أكثر صدقًا، وخيارات أكثر اتزانًا، ورؤية أوضح عن أنفسنا.

الأشخاص الذين يتعلمون الإنصات لمشاعرهم يمتلكون قدرة أكبر على التمييز بين ما يريدونه فعلاً وما يفرضه عليهم العالم الخارجي.

كما يصبحون أقدر على بناء حدود صحية، والاعتراف بما يحتاج إلى التغيير في حياتهم دون الشعور بالذنب أو الخوف.

إن الوعي بالمشاعر ليس مجرد رفاهية، بل هو خطوة أساسية نحو الصحة النفسية والعاطفية. وقد تكون أعظم هدية نقدمها لأنفسنا هي أن نصغي لمشاعرنا بصبر وصدق واهتمام.

كما تقول د. جونيس ويب، الإصغاء لمشاعرك هو ما لم تحصل عليه في طفولتك، لكنه ما يمكنك منحه لنفسك اليوم.