-

لماذا يكذب الأطفال؟ فهم السلوك والتوجيه

(اخر تعديل 2025-09-11 11:43:32 )
بواسطة

فهم سلوك الأطفال: الكذب في مرحلة الطفولة المبكرة

قد يبدو من الغريب أن ينكر طفل صغير فعلاً قام به أمام أعين والديه، ويصرّ على روايته وكأنها الحقيقة. هذا المشهد يتكرر كثيرًا في حياتنا اليومية: طفل يتخطى دوره في اللعب، أو يأخذ لعبة من شقيقته، ثم ينفي الأمر بكل ثقة، مما يثير ارتباك الأهل وتساؤلاتهم حول ما إذا كان هذا السلوك علامة مقلقة تستدعي الخوف من المستقبل.

لكن علم النفس يؤكد أن هذه المواقف ليست دليلًا على شخصية مضطربة، بل هي انعكاس طبيعي لمرحلة نمو يختبر فيها الطفل مشاعره وحدود قدرته على مواجهة العواقب. في هذه السن، يسعى الطفل لحماية نفسه من الشعور بالذنب أو العقاب، باستخدام وسائل بدائية مثل الكذب أو الإنكار.

في مقالها المنشور على Psychology Today، تناولت الخبيرة الأميركية كلير ليرنر (Claire Lerner) هذا الموضوع، مؤكدةً أن الكذب في سن الخامسة لا يعني وجود خلل أخلاقي، بل هو سلوك يمكن توجيهه بالصبر والوعي.

لماذا يكذب طفلك في عمر مبكر؟

طفلة المصدر: شاتر ستوك

يرى علماء النفس أن الكذب لدى الأطفال الصغار ليس انعكاسًا لخلل أخلاقي أو سوء تربية. بل هو محاولة بدائية للتعامل مع المشاعر أو تجنب العقاب. في سن الخامسة، يكون وعي الطفل الأخلاقي مبنيًا بالأساس على العواقب الخارجية، مثل رضا الوالدين أو الهروب من العقوبة، وليس على قناعة داخلية عميقة بالصواب والخطأ. لذلك، يكذب الطفل لتفادي الإحراج أو لحماية نفسه من المشاعر الصعبة مثل الشعور بالذنب أو الخوف.

لماذا لا يجب وصف الطفل بالكاذب؟

تشير ليرنر إلى أن وصف الطفل بعبارة "كاذب" لا يساعد مطلقًا، بل يرسخ لديه شعورًا بالعار قد يدفعه لمزيد من الإنكار أو التمادي في السلوك غير الصحيح. فالطفل في تلك المرحلة يعلم القواعد غالبًا، لكنه يواجه صعوبة في الالتزام بها حين تتغلب رغباته أو اندفاعه اللحظي.
ليلى مدبلج الحلقة 201

كيف نتعامل مع الموقف عمليًا؟

عند مواجهة الطفل، يجب أن تكون الخطوة الأهم ليست إجباره على الاعتراف، لأن ذلك يضعه في زاوية ضيقة تجعله يلجأ للكذب أكثر. بل يجب التركيز على السلوك وتوجيهه بهدوء. على سبيل المثال:

  • عند تخطي الدور في اللعب: "أعلم أن الانتظار صعب، سأساعدك على الانتظار حتى يأتي دورك".
  • عند أخذ لعبة ليست له: "اللعبة تعود لشقيقتك، هل تفضل أن تعيدها بنفسك أو أعيدها أنا؟".
  • عند إنكار غسل اليدين: "أعرف أنك لا تحب غسل يديك، لكن الأمر ضروري للصحة. هل تفضل الغسل بالماء والصابون أو استخدام المناديل المعقمة؟".

بهذا الشكل، يتحول الموقف من صراع حول الصدق والكذب إلى تعليم مباشر للحدود، مع احترام مشاعر الطفل وإشراكه في الحل.

ما يجب تجنبه عند كذب الطفل

  • المحاضرات الطويلة التي لا تزيد الطفل إلا عنادًا.
  • الأسئلة الاستفهامية المباشرة: "لماذا تكذب؟" لأنها تفتح بابًا لنقاش غير منطقي.
  • العبارات المحملة بالعار مثل: "هذا ليس جيدًا" أو "عيبًا أن تكذب"، فهي تجعل الطفل يركز على الدفاع عن نفسه بدلًا من استيعاب السلوك الصحيح.

في النهاية، الكذب في عمر الخامسة لا يعني أن الطفل يسير في طريق مظلم أو أن لديه مشكلة أخلاقية، بل هو جزء من مراحل النمو التي يختبر فيها مشاعره وحدود قدرته على ضبط النفس. دور الوالدين هنا أن يكونوا الموجهين الهادئين الذين يضعون القواعد بوضوح ويمنحون الطفل في الوقت ذاته مساحة للشعور بالأمان. وكما تقول ليرنر: "الحد ذاته هو الدرس"، أي أن ما يعلّمه الوالد لطفله من خلال التصرف الحازم والهادئ أهم بكثير من أي كلمات قد تُقال.