تحقيق النجاح بتوقعات واقعية

في مسيرة السعي نحو تحقيق النجاح والتطور الذاتي، يقع الكثيرون في فخ بناء أهدافهم على تصورات غير واقعية عن أنفسهم. إذ بدلاً من الانطلاق من النقطة التي يتواجدون فيها حالياً، يتخيلون أنفسهم في مستقبل بعيد، دون النظر في واقعهم الحالي. هذه المعضلة ليست قاصرة على مجال اللياقة البدنية فحسب، بل تمتد لتشمل مجالات عدة من حياتنا، مثل الصحة النفسية والعلاقات الشخصية والمهنية.
لماذا نضع خططاً وأهدافاً واهمة؟

السبب الرئيسي وراء هذه الأخطاء يكمن في تباين نظرتنا لأنفسنا بين ما نأمل أن نصبح عليه وبين واقعنا الحالي. كثير من الأشخاص يضعون خططاً لتحسين الذات بناءً على الصورة التي يتمنون أن يكونوا عليها بدلاً من انطلاقهم من واقعهم الحالي. على سبيل المثال، قد يشعر الرياضي المتميز سابقاً بحاجة ملحة للعودة إلى مستواه السابق من الأداء بسرعة، دون أن يأخذ في اعتباره قدراته الحالية.
تتجلى هذه المشكلة بشكل واضح في السيناريوهات التي تذكرها الدراسات، مثلما يحدث مع مدربي الفرق الرياضية عندما يضعون خططاً تدريبية تفوق قدرة اللاعب الجديد، ما يؤدي إلى إصابته نتيجة التحميل الزائد. وكذلك، تواجه الأمهات اللواتي يعودن لممارسة الرياضة بعد الحمل صعوبة في استعادة الأداء نفسه الذي كن عليه سابقاً، لأنهن يحاولن تطبيق النظام التدريبي القديم على أجسام تغيرت مع مرور الوقت.
التوقعات غير الواقعية بين التحفيز والضغط النفسي
يشير الخبراء إلى أن هذه الطريقة في وضع الأهداف تتسم بالانتقاد الذاتي والضغط النفسي. في عالمنا المعاصر، يشجع البعض على اتباع "ثقافة الإنجاز" التي تروج لتوقعات عالية جداً بناءً على نموذج واحد للنجاح. لكن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فالنجاحات الكبيرة التي تحققت لم تأت بالصدفة، بل كانت نتيجة لمميزات فطرية يمتلكها هؤلاء الأفراد، مثل قدرتهم على التعافي السريع بعد الإرهاق البدني أو النفسي، وهذه القدرات قد لا تكون متاحة لنا بنفس القدر، مما يجعل محاكاة هذه النماذج محفوفة بالمخاطر.
السر في التقدم المتوازن: كيف نتعامل مع أنفسنا؟
من المهم أن نتعلم كيفية التعامل مع أنفسنا بواقعية، وأن نتجنب التمسك بصورة مثالية تفرضها توقعات غير قابلة للتحقيق. النجاح المستدام يأتي من فهم نقاط قوتنا وضعفنا الحالية والعمل عليها بروية. ينبغي أن نضع أهدافاً تتماشى مع إمكاناتنا الراهنة، وألا نرهق أنفسنا بتوقعات بعيدة عن الواقع. فالتغيير لا يحدث بين عشية وضحاها، بل هو عملية تدريجية تتطلب التكيف مع الظروف الحالية والاستفادة من الموارد المتاحة.

نصائح عملية لتجنب فخ التوقعات غير الواقعية
للتخلص من عادة وضع أهداف وتوقعات غير واقعية، نقدم لك بعض النصائح التي قد تساعدك على وضع قدميك على الأرض، ووضع أهداف مناسبة لحياتك وقدرتك:
ابدئي من حيث أنت الآن
لا تحاولي تطبيق الخطط التي نجحت معك في الماضي أو تلك التي تعتمد على صورة مثالية عن نفسك. طوري خططاً تتماشى مع ظروفك الحالية.
كوني صبورة مع نفسك
التغيير يحتاج وقتاً، خاصة إذا كنت تعودين إلى نشاط بعد فترة من التوقف. سواء كان ذلك في العمل أو في تطوير مهاراتك الشخصية، يجب أن تكون لديك القدرة على التحمل وإعادة البناء تدريجياً.
لا تكرري نماذج النجاح كما هي
قد يكون من المفيد أن تستلهمي من تجارب الآخرين، لكن لا تقومي بتقليدهم بالكامل. كل شخص لديه ميزات وقدرات خاصة به، لذا اعتمدي على نقاط قوتك الفريدة.
حافظي على توازن بين التحدي والقدرة
اعملي على تحسين نفسك، ولكن لا تضعي نفسك في مواقف تتجاوز طاقتك. فكل تقدم صغير نحو الهدف يُعد نجاحاً بحد ذاته.
شراب التوت الحلقة 86
أخيراً، يجب أن نتعلم كيفية قبول أنفسنا في اللحظة الحالية، مع كل ما فيها من تحديات وفرص. النجاح ليس مقتصراً على الوصول إلى قمة جبل نراه بعيداً، بل على السير بثبات في الطريق الذي نقدره ونفهمه. إن التغيير الذي يطرأ على أنفسنا يحتاج إلى تأقلم مرن، مع استعداد لتقبل الفترات الصعبة والنقاط التي قد نحتاج إلى إعادة تقييمها.