جسر النعمانية: رواية عبد النور مزين

تقدم رواية "جسر النعمانية" للكاتب المغربي المبدع عبد النور مزين، رؤية عميقة ومتفحصة لدور الإعلام في تشكيل الواقع، كيف يحوّل الإعلام من أداة لإيصال الحقيقة إلى وسيلة للهيمنة على الأفكار والمفاهيم. من خلال شخصيات الرواية المتنوعة، نتابع كيف يتم إعادة صياغة الحقائق بما يتناسب مع الأجندات المختلفة التي تحركها القوى المسيطرة.

عن الكاتب.. و"جسر النعمانية"

عبد النور مزين هو طبيب وكاتب مغربي وُلِد عام 1965 في منطقة بني أحمد القريبة من مدينة شفشاون. حصل على شهادة الدكتوراه في الطب من جامعة محمد الخامس في الرباط عام 1992. بدأ مشواره الأدبي بنشر قصائد باللغة الفرنسية في صحيفة "الرأي"، وفي نفس العام أصدر أولى قصصه القصيرة باللغة العربية. في عام 2010، أصدر مجموعته القصصية الأولى بعنوان "قبلة اللوست".

في عالم الرواية، قدم عبد النور مزين أول أعماله "رسائل زمن العاصفة" عام 2015، الذي ترشّح للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، مما أثبت وجوده كروائي بارز. وبعد تسع سنوات، عاد بمؤلفه الروائي الثاني "جسر النعمانية"، الذي صدر في يونيو 2024 عن منشورات "سليكي أخوين" في طنجة.

وفقاً لرئيس رابطة أدباء شمال المغرب، عبد الجليل الوزاني التهامي، فقد حذفت من الرواية، التي تتجاوز صفحاتها الـ650، نحو 300 صفحة قبل إصدارها، مما يعكس حرص المؤلف على تقديم نص متقن ومتماسك.

تتميز رواية "جسر النعمانية" بقوة السرد وتشابكاته، حيث ينسج مزين قصته بأسلوب متين يتخلله لمسات شعرية تضفي عليها بعدًا جماليًا فريدًا. وعلى الرغم من أن الأحداث والشخصيات والأمكنة في الرواية هي مجرد خيال، كما يُنبّه الراوي، إلا أنها تعكس واقعًا معاصرًا مليئًا بالصراعات الاجتماعية والسياسية.

تتضمن الرواية شخصيات تجاوزت المئة، من أبرزها: السعيد وتزيري، وفاء، وجورية، الذين تجمعهم ذكريات الطفولة في بلدة النعمانية، التي تعاني من ويلات الحروب والصراعات. يتعرض كل منهم للنزوح والشتات، وتتناول الأحداث تأثيرات العنف والهجرة والإرث الاستعماري، مع تركيز على الصراعات الهوياتية التي تمثلها "الذئاب القرمزية" و"الذئاب البيض"، كرمز للصراعات العرقية والإثنية المدفوعة بأجندات متنوعة.

الإعلام كأداة لصناعة الرأي العام في "جسر النعمانية"

تكشف الرواية عن التأثير العميق للإعلام في توجيه الوعي الجمعي، من خلال مؤسسات إعلامية تعيد إنتاج السرديات المحلية والدولية بما يتناسب مع مصالح نخبة معينة. يُظهر الراوي أن الإعلام لا يعكس الواقع كما هو، بل يعيد تشكيله وفقًا لمصالح محددة.

كما تسلط الرواية الضوء على دور الشبكات الاجتماعية كجزء من لعبة إعادة إنتاج الواقع. يُصوَّر الإنترنت على أنه غابة موحشة، حيث يتم تضخيم الأحداث وترويج الأخبار المزيفة، مما ينشئ وعيًا زائفًا لدى الجمهور ويصنع نجومًا من العدم.
وديمة وحليمة 4 الحلقة 10

لا تقدم "جسر النعمانية" إجابات نهائية، بل تدعو القارئ إلى إعادة التفكير في دوره كمتلقي للمعلومات، والتساؤل عن مدى استقلالية الإعلام، ومدى تأثيره على تشكيل رؤيتنا للعالم.