تحليل استفتاء أفضل الأفلام المصرية

السينما المصرية: سؤال الجمال والإبداع
كلما حاولت السينما المصرية أن تعكس واقعها، تبرز أمامها تساؤلات قديمة تعيد نفسها: ما الذي يجعل فيلماً ما يُعتبر "الأفضل"؟ هل يكفي أن نستند إلى المعايير النقدية فقط لتلخيص ربع قرن من الإبداع والجرأة؟
تجددت هذه الأسئلة بقوة بعد إعلان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن نتائج استفتاء "أفضل 25 فيلماً مصرياً في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين"، الذي تم بالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (فيبرسي) وجمعية نقاد السينما المصريين.
نتيجة لذلك، نشب نقاش نقدي واسع بين مؤيد يعتبر أن النتائج تسجل ذاكرة السينما المصرية ومعترض يرى أن هذه النتائج لا تمثل المشهد بالكامل، مما أعاد تسليط الضوء على مسيرة الإنتاج السينمائي المحلي في العقدين الأخيرين.
مشروع توثيقي ضخم ضمن فعاليات مهرجان القاهرة
الاستفتاء، الذي شارك فيه 63 ناقداً مصرياً، تناول 881 فيلماً عُرضت منذ يناير 2001 حتى يوليو 2025، ليختار المشاركون أبرز 25 عملاً يرونها الأكثر تأثيراً في تاريخ السينما المصرية المعاصرة.
كما يُنتظر أن يُصدر المهرجان كتاباً توثيقياً شاملاً يتضمن نتائج التصويت وتحليلات نقدية معمقة لكل فيلم، بالإضافة إلى تنظيم ندوة حوارية خاصة لمناقشة محتوى الكتاب خلال أيام المهرجان.
يأتي هذا المشروع كجزء من اتفاقية التعاون بين مهرجان القاهرة و"فيبرسي"، تم الإعلان عنها خلال الدورة السابقة لمهرجان كان السينمائي، بهدف توثيق وتحليل مسيرة السينما المصرية خلال ربع القرن الأخير.
خيرية البشلاوي: الأفلام المختارة ليست مثالية.. لكنها الأفضل في سياقها
تعليقاً على الجدل، ترى الناقدة خيرية البشلاوي أن اختيار الأفلام لا يعني أنها كاملة الأوصاف، لكنها -كما تقول- "الأفضل في سياقها الزمني وفي ظل ظروف الإنتاج السائدة آنذاك".
وأشارت البشلاوي إلى أن العوامل الاقتصادية أثرت بشكل عميق على الصناعة خلال السنوات الأخيرة، موضحة أن الفيلم المهم يحتاج إلى ميزانية كبيرة، لكن لم يعد أحد يغامر بتخصيص موازنات ضخمة لمشروعات فنية نوعية كما كان يحدث في العقود الماضية، مما يفسر تراجع بعض المستويات الإبداعية.
غياب أفلام الأوسكار وأسماء لامعة
رغم الطابع الذوقي لأي استفتاء نقدي، وُجهت ملاحظات عدة للقائمة، أبرزها غياب أفلام مثلت مصر في جوائز الأوسكار، وأعمال جماهيرية ونقدية بارزة نالت إعجاب النقاد والمشاهدين على حد سواء، مثل: "السفارة في العمارة"، "لا مؤاخذة"، "إسكندرية نيويورك"، و"بنات وسط البلد".
يعتقد بعض النقاد أن إدراج هذه الأعمال كان سيمنح القائمة تنوعاً أكبر في الأسلوب والرؤية، ويعكس تحولات الذائقة الفنية في السينما المصرية خلال العقدين الأخيرين.
فيلم وثائقي وحيد ونقاش حول عدد المشاركين
من النقاط التي أثارت التساؤل أيضاً وجود فيلم وثائقي واحد فقط في القائمة هو "أبو زعبل 89"، مقابل غياب كامل للأفلام الروائية القصيرة، وهو ما اعتبره البعض إخلالاً بتوازن التصنيفات.
كما وُجهت انتقادات إلى العدد المحدود من النقاد المشاركين، حيث رأى البعض أن إشراك نقاد مستقلين ومحترفين من خارج جمعية النقاد المصريين كان سيعطي القائمة عمقاً وتوازناً أكبر، خاصة مع وجود أصوات نقدية مؤثرة لم تُدعَ للمشاركة.
"بحب السيما" في الصدارة.. واستعادة لروح السينما الإنسانية
تتفق آراء كثيرة على أن تصدُّر فيلم "بحب السيما" (2004) للقائمة لم يكن مفاجئاً، لما يتمتع به من قيمة فنية وإنسانية عالية، إذ يمثل نموذجاً للفيلم المصري الذي يجمع بين الجرأة الفكرية والطرح الإنساني الراقي، مما جعله يستحق تقدير النقاد والجمهور على حد سواء.
تشير البشلاوي إلى أن الفيلم الفائز "يعكس مرحلة من الوعي الاجتماعي والثقافي، ويعيد إلى الأذهان توازن السينما المصرية بين الجماليات الفنية والموضوعات الوجودية"، معتبرة أن هذا النوع من الأعمال هو ما يمنح السينما المصرية استمرارية وخصوصية في المشهد العربي.
السينما المصرية.. مرآة مجتمع وتحولات
على الرغم من الجدل، يرى كثير من المراقبين أن هذا الاستفتاء يمثل خطوة توثيقية مهمة لتأمل ما أنجزته السينما المصرية خلال ربع القرن الأخير، وما واجهته من تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية.
فالسينما، كما يؤكد النقاد، ليست مجرد أفلام، بل وثيقة بصرية تعبّر عن الوجدان الجمعي، وتختزن ذاكرة الناس وحكاياتهم، مما يجعل مثل هذه المبادرات النقدية ضرورية للحفاظ على إرث فني يمتد لأكثر من مئة عام.
غرفة لشخصين الحلقة 9