التوازن بين الحب والدلال للأطفال

يعتبر تقديم الحب اللامشروط لأطفالنا من أهم جوانب التربية، ولكن يوجد خيط رفيع يفصل بين الحب والدلال الزائد. قد تقع بعض الأمهات في فخ المبالغة في إظهار الحب، حيث يتم تحويل الكلمات المشجعة إلى أوهام تجعل الطفل يعتقد أنه الأفضل على الإطلاق. في بعض الأحيان، تقوم الأمهات بتلبية جميع رغبات طفلها بشكل فوري، مما يؤدي إلى تدهور فهم الطفل للمسؤولية والحدود.

في هذا المقال، سنقوم بتسليط الضوء على مخاطر المبالغة في التعبير عن الحب، وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوء أطفال يتمتعون بسلوكيات غير صحية، مما يجعلهم مثل معبودي الأسرة الذين لا تُرد لهم طلبات.

لفت انتباهنا قصة مأساوية نشرت مؤخرًا لشاب قام بدهس آخر بالسيارة بشكل متكرر بسبب عدم إعطائه الأولوية، ما يعرف أيضًا "جريمة فرايا". كان رد فعل والدته مثيرًا للدهشة، فقد حاولت إخفاء الجريمة وتهريبه لتفادي دخوله السجن. هذا السلوك يعكس تقديسًا مبالغًا في الابن، حيث يصل الأمر إلى سلوكيات غير مقبولة من أجل إرضاء غروره المتضخم منذ الطفولة، في حين تظن الأم أنها تعبر عن حبها له.

لذا، يجب على كل أم أن تدرك أن تصورات طفلها عن نفسه هي من صنعها، وأنها الوحيدة القادرة على غرس القيم الجميلة مثل التواضع والمحبة.

متى يتحول التدليل إلى مشكلة؟

تعتقد بعض الأمهات أن تلبية رغبات الطفل على الفور تعكس الحب والاهتمام، مثل شراء اللعبة التي يريدها بمجرد أن يطلبها، أو منح الحلوى متى بكى، أو السماح له بمشاهدة التلفاز لساعات طويلة. ولكن هذا النهج قد يرسخ في عقل الطفل مفهوم "كل شيء متاح على الفور"، مما يجعله غير قادر على التعامل مع الإحباط أو تأجيل رغباته، وهما مهارتان ضروريتان لنجاحه في الحياة.

الطفل الذي يعتاد الحصول على ما يريد دون انتظار قد يكبر ليصبح غير قادر على تحمل المسؤولية أو التفكير في العواقب، مما يجعله أكثر عرضة لاتخاذ قرارات متهورة وقد يصل به الأمر إلى سلوكيات غير قانونية إذا وجد أن تحقيق رغباته يتطلب تجاوز القواعد.

مستقبل الأطفال المدللين.. تجربة المارشميلو

من التجارب الشهيرة التي توضح تأثير تأجيل المكافآت على مستقبل الأطفال هي تجربة "المارشميلو"، التي أجراها عالم النفس والتر ميشيل في الستينيات. في هذه التجربة، وُضع الأطفال أمام خيارين: إما تناول قطعة مارشميلو واحدة فورًا، أو الانتظار لبضع دقائق للحصول على قطعتين.

لقد أظهرت المتابعة طويلة الأمد أن الأطفال الذين استطاعوا تأجيل المكافأة حققوا نجاحًا أكاديميًا ومهنيًا أفضل، وتمتعوا بصحة نفسية واجتماعية أقوى مقارنة بأولئك الذين لم يتمكنوا من مقاومة الإغراء. هذه النتائج تشير إلى أن القدرة على تأجيل المتعة والالتزام بالقرارات الصحيحة، حتى عندما تكون غير مريحة، قد تكون مفتاحًا لحياة أكثر استقرارًا ونجاحًا.

عندما يصبح الإشباع الفوري مدخلًا للسلوك الإجرامي

أثبتت دراسة حديثة نشرت في Proceedings of the National Academy of Sciences أن الأطفال المدللين الذين لا يستطيعون تأجيل المكافآت يكونون أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات إجرامية لاحقًا. شملت الدراسة 6,749 صبيًّا سويديًّا، تم اختبارهم عند سن 13 عامًا من خلال سؤال بسيط: "هل تفضل الحصول على مبلغ مالي صغير الآن، أم على مبلغ أكبر بعد سنوات؟".

النتائج كشفت أن الأطفال الذين فضلوا المال الفوري كانوا أكثر عرضة للانخراط في جرائم السرقة والاحتيال لاحقًا، ما يؤكد أن القدرة على تأجيل الإشباع تلعب دورًا مهمًا في بناء شخصية الفرد.

كيف تساعدين طفلك كأم متزنة في تقديم الحب؟

إذا كنتِ من الأمهات اللاتي وجدن أنفسهن في فخ تدليل أطفالهن، فلا يزال هناك وقت لتصحيح ذلك. يمكنك تعلم كيفية تحقيق التوازن بين الحب والتقويم، وهو أمر مهم في مصلحة الطفل لبناء شخصيته السوية من خلال:

حددي حدود واضحة

من الضروري تعليم الطفل أنه يمكنه الحصول على الحب والرعاية، ولكن يجب أن يتعلم أيضًا أهمية احترام الحدود. وجود قواعد واضحة ومرنة يساعد طفلك على فهم المسؤوليات ويعزز سلوكه الإيجابي.

تجنبي الاستجابة السريعة لجميع طلبات الطفل

من الطبيعي أن يرغب الطفل في الحصول على كل شيء فورًا، لكن الاستجابة السريعة لجميع رغباته قد تجعله يعتاد على تحقيق مطالبه بسهولة. حاولي إيضاح أهمية الانتظار والصبر.

علمي طفلك تحمل المسؤولية

جزء من التدليل الصحي هو تعليم الطفل أن الحياة لا تقتصر على الأخذ فقط، بل يجب أن يكون قادرًا على تقديم شيء أيضًا. شجعيه على تحمل بعض المسؤوليات البسيطة، مثل ترتيب غرفته أو مساعدتك في إعداد الطعام.

دعيه يشعر بالحب والدعم

التدليل لا يعني تلبية جميع رغباته المادية، بل يتجسد في منح الطفل الوقت والاهتمام والدعم العاطفي. اجعلي من وقت اللعب والمشاركة لحظات مليئة بالحب والحنان.
محمد الفاتح مترجم الحلقة 26

علمي طفلك أهمية القيم والتواضع

لا تدللي طفلك لدرجة تجعله يشعر بأن العالم يدور حوله فقط. علميه تقدير الآخرين وشرح له أهمية التعاطف والتواضع. هذا سيساعده على بناء شخصية متوازنة.

استخدام المكافآت بشكل معقول

المكافآت مهمة، لكنها يجب أن تُستخدم بشكل مدروس. كافئي طفلك عند إنجازاته، ولكن تجنبي استخدامها كوسيلة رئيسية للحصول على تصرفات جيدة. اجعليها متوازنة مع التقدير والحوافز الأخرى.

احرصي على توازن الحياة الاجتماعية

التدليل قد يؤثر سلبًا على تفاعل الطفل مع الآخرين. حاولي تعزيز تفاعلاته مع الأطفال الآخرين في بيئات تعليمية أو اجتماعية، ليكتسب مهارات التعامل مع اختلافات الشخصيات والآراء.

كوني قدوة في السلوك

الأطفال غالبًا ما يتبعون تصرفات آبائهم. كوني قدوة لهم من حيث ضبط النفس، المسؤولية، وحسن التعامل مع المواقف الصعبة.

أعطيه فرصة للاستقلالية

التدليل الزائد يمكن أن يمنع الطفل من بناء مهارات الاعتماد على نفسه. شجعيه على اتخاذ قراراته وتنمية استقلاليته بشكل تدريجي، مما يزيد ثقته بنفسه.

قد تبدو بعض السلوكيات التربوية البسيطة غير مؤذية، لكنها قد تؤثر على قدرة الطفل على ضبط النفس واتخاذ القرارات الصائبة في المستقبل. الإشباع الفوري للرغبات ليس دائمًا الحل الأفضل، بل قد يكون حجر الأساس لسلوكيات غير مسؤولة لاحقًا. لذلك، يبقى الحل دائمًا في التوازن بين الحب والانضباط المعتدل.