الجدل حول بيع بصمة الصوت في الفن

أحدث إعلان الفنان حميد الشاعري عن تعاقده لبيع بصمة صوته لاستخدامها في إنتاج أعمال غنائية بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ضجة كبيرة في الأوساط الفنية، وأشعل نقاشات حامية حول هذا القرار الذي قد يغير ملامح الإبداع الفني بشكل جذري.
يتباين الرأي حول هذه التقنية، فبينما يرى البعض أنها وسيلة لإحياء الأصوات العظيمة للفنانين وتقديم أعمال جديدة تتماشى مع العصر، يحذر آخرون من مخاطرها التي قد تسيء لتراث الفنانين، وتحوّل المشاعر الإنسانية إلى أنماط رقمية تفتقر إلى الروح. إذًا، يقف الذكاء الاصطناعي على مفترق طرق قد يعيد تشكيل صناعة الموسيقى والفن بطرق غير مسبوقة.
وفي هذا السياق، تواصل موقع "" مع مجموعة من المطربين الذين عبروا عن آرائهم حول هذا الاتجاه، كما تواصل مع خبير في الذكاء الاصطناعي ليكشف لنا المزيد من الإيجابيات والسلبيات المتعلقة بهذا الموضوع.
محمد ثروت: الابتكار يجب أن يحترم التراث

في حديثه لموقع "", أبدى الفنان محمد ثروت انفتاحه على فكرة بيع بصمة الصوت، لكنه طرح العديد من التساؤلات والضوابط الضرورية المتعلقة باستخدامها. وشدد على أهمية توظيف هذه التقنية بشكل أخلاقي يخدم الفن دون أن يُسيء لإرث الفنانين.
تحديد الهدف والاستخدام
أكد ثروت أن السؤال الأهم هو: "ما الهدف من هذا الاستخدام؟"، موضحًا أن ذلك يعتمد على طبيعة العمل الفني المطلوب. تساءل: "هل سيتم استخدام الصوت في أغنيات للأطفال أو أعمال دينية أو عاطفية، أم سيكون تترًا لمسلسل؟"
ورغم إعجابه بالتطورات التقنية في الذكاء الاصطناعي، أشار ثروت إلى أن هذه التكنولوجيا تظل "آلة" تفتقر إلى المشاعر الإنسانية التي تضيف عمقًا للأعمال الفنية. كما أكد على ضرورة احترام جودة الأعمال الفنية وتاريخ النجوم الكبار مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
أحمد شيبة: صوتي ملكي ولا يمكن بيعه

من جهة أخرى، أعرب الفنان الشعبي أحمد شيبة عن رفضه القاطع لفكرة بيع بصمة صوته لاستخدامها في إنتاج أعمال فنية عبر الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن هذا الأمر غير واضح بالنسبة له.
قال شيبة: "ماذا يعني بيع بصمة الصوت؟، الفكرة جديدة، ولا أتصور أن يُستخدم صوتي لإنتاج أغانٍ عبر الذكاء الاصطناعي، لا يمكن حدوث هذا الأمر! أنا لا أعرف شيئًا عن الموضوع، ولم أفكر فيه على الإطلاق."
عندما سُئل عما إذا كان سيتفق على هذا في المستقبل، أجاب: "بصراحة، لا أفهم شيئًا عن الذكاء الاصطناعي أو آلياته. أي شيء لا أفهمه، لا يمكنني الحكم عليه."
وأضاف شيبة أن فكرة استخدام صوته لإنتاج أعمال غنائية، سواء في حياته أو بعد وفاته، مرفوضة تمامًا بالنسبة له، موضحًا: "صوتي هو ملكي، ولا يمكن أن أسمح باستخدامه بشكل اصطناعي دون علمي أو موافقتي."
فوزي إبراهيم: الحاجة إلى تنظيم الاستخدام
أكد الشاعر فوزي إبراهيم، عضو مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين المصرية، ضرورة الانتباه لمسألة استخدام بصمة الصوت الخاصة بالفنانين في ظل التطورات التكنولوجية الحالية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن هذه المسألة تتطلب وضوحًا في القوانين لحماية الحقوق الأدبية والمالية للفنانين والمؤلفين والملحنين.
حقوق الأداء العلني: مالية وأدبية
أشار فوزي إبراهيم إلى أن حقوق الأداء العلني تنقسم إلى شقين رئيسين: حقوق مالية وأخرى أدبية. الحقوق المالية تتعلق بالمؤلفين والملحنين الذين يجب دفع مستحقاتهم عند استخدام أعمالهم، حتى وإن تم تقديمها بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
أما الحقوق الأدبية، فتتعلق بصاحب بصمة الصوت نفسه، حيث يجب الحصول على موافقته الشخصية قبل استخدام صوته، خاصة إذا كان هناك احتمال للتلاعب بالأداء أو تشويهه.
وأضاف: "الحق الأدبي لا يجوز التنازل عنه إلا بموافقة صاحب البصمة، لأن أي تشويه في الأداء قد يضر به شخصيًا."
مجمع 75 الحلقة 240
أما عن التحديات المتعلقة باستخدام بصمة الصوت، فقد أوضح إبراهيم أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مفيدة إذا استُخدم بشكل إيجابي، مثل تحسين أداء الفنانين الذين تقدم بهم العمر.
وأشار إلى أن القوانين الحالية لا تنظم استخدام بصمة الصوت بشكل واضح، لكن لجنة حقوق الملكية الفكرية بالمجلس الأعلى للثقافة تتابع هذه المسألة باهتمام.
خبير الذكاء الاصطناعي: بصمة الصوت سلاح ذو حدين
ضرورة وجود ضوابط صارمة
للحصول على رؤية شاملة حول الإيجابيات والسلبيات، تواصل موقع "" مع الخبير في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، بلال أسعد، الذي أشار إلى أن هذه الخطوة تمثل سلاحًا ذو حدين.
قال: "إذا تم استخدامها ضمن إطار أخلاقي وقانوني واضح، فقد تُسهم في إثراء التراث الفني وتقديم أعمال إبداعية مميزة. ومع ذلك، هناك حاجة ملحة لضوابط صارمة لحماية الفنانين وورثتهم من أي استغلال."
إيجابيات بيع البصمة الصوتية
عدد بلال أسعد العديد من الإيجابيات الناتجة عن بيع المطربين لبصمة صوتهم، مشيرًا إلى إمكانية إعادة إحياء الأصوات الراحلة لإنتاج أعمال جديدة، مما يتيح للأجيال القادمة فرصة الاستماع إلى تلك الأصوات بطريقة مبتكرة.
كما أضاف أن ورثة الفنانين قد يستفيدون ماديًا من هذه التقنية، في حال تم استخدامها بعقود واضحة ومربحة.
كما يمكن أن تُستخدم التقنية في التعاونات الافتراضية، حيث يمكن لفنانين أحياء العمل "افتراضيًا" مع مطربين رحلوا.
المخاطر المحتملة
أما فيما يتعلق بالمخاطر، فقد أشار بلال أسعد إلى وجود مخاوف من استغلال الذكاء الاصطناعي لإنتاج أعمال تحمل رسائل غير لائقة، مما قد يؤثر سلبًا على سمعة الفنانين.
وأضاف: "من يملك الحق القانوني في التصرف بالصوت؟، هل هم الورثة أم الشركات المنتجة؟"، محذرًا من غياب القوانين الواضحة الذي قد يؤدي إلى صراعات قانونية طويلة.
على الصعيد الفني، يرى البعض أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يزيل الطابع الإنساني من الفن، حيث تصبح الأغاني أكثر تقنية من كونها تعبيرًا عاطفيًا حقيقيًا.
واختتم أسعد حديثه بالتأكيد على أن هذا الاتجاه قد يقلل من أهمية الفنانين الشباب والمواهب الجديدة إذا استمر التركيز على إعادة إنتاج الأعمال القديمة.