-

الإنكار في سلوك الأطفال: مواجهة الحقيقة

الإنكار في سلوك الأطفال: مواجهة الحقيقة
(اخر تعديل 2025-05-01 10:35:33 )
بواسطة

عندما يلاحظ الآباء أن سلوك طفلهم لا يتماشى مع التوقعات، أو أن مراحل نموه تختلف عن أقرانه، قد تغمرهم مجموعة من المشاعر المختلطة: القلق، الارتباك، وأحياناً الخوف من المجهول. في مثل هذه اللحظات، قد يُفاجأ الأهل بأن هذه المشاعر لا تدفعهم إلى اتخاذ خطوة للتقييم أو استشارة مختص، بل قد تتجه بهم إلى الإنكار.

الإنكار هو رد فعل نفسي شائع حيث يُقنع الأهل أنفسهم بأن "كل شيء على ما يرام"، رغم ظهور الأدلة بشكل واضح يوماً بعد يوم، وحتى في ظل ملاحظات من الأصدقاء والأقارب.

الإنكار كآلية دفاعية

Preview الإنكار لا ينبع من قسوة أو لامبالاة، بل هو استجابة من مكان هشّ داخل النفس. إنه محاولة لا واعية لحماية الذات من ألم الاعتراف بوجود شيء "غير طبيعي" يعاني منه الطفل. بعض الأمهات والآباء يخشون من أن يحمل التشخيص وصمة اجتماعية، أو أن يعني ذلك أن طفلهم لن يعيش حياة "عادية".

بينما يعتقد آخرون أن الطفل سيتجاوز هذه التحديات مع مرور الوقت، دون الحاجة لأي تدخل أو دعم.

التأتأة كمثال شائع

في كثير من الحالات، تبدأ التأتأة في مرحلة الطفولة المبكرة، وقد تكون عابرة لدى بعض الأطفال. لكن إذا استمرت لعدة أشهر وبدأت تؤثر على تواصل الطفل أو تجعله يشعر بالحرج، فإن التدخل المبكر من مختص النطق قد يُحدث فرقًا كبيرًا.

للأسف، العديد من الآباء يرفضون الاعتراف بوجود مشكلة في البداية، ويقللون من شأنها بعبارات مثل: "لسانه ثقيل فقط وسيتحسن"، أو "عمّك كان يُتأتئ لكن الأمر اختلف عندما كبر". النتيجة؟ تأخير في الحصول على الدعم المناسب، وزيادة شعور الطفل بالإحباط والعزلة.

الخوف من الوصم الاجتماعي

إن الخوف من نظرة المجتمع يُعتبر أحد الأسباب الرئيسية للإنكار. يخشى الآباء من أن يُشار إلى طفلهم بأنه "مختلف"، أو أن يُعامَل بشكل خاص من قبل معلميه أو الأقارب. هذا القلق قد يدفعهم إلى إخفاء المؤشرات المبكرة، أو حتى رفض التقارير التي يقدمها المختصون. لكن في النهاية، الطفل هو من يدفع الثمن.

الحقيقة التي نحتاج إلى مواجهتها

إن تجاهل مشاكل مثل التأخر الوظيفي، صعوبات التعلم، اضطرابات التواصل، أو حتى القلق الطفولي لا يُلغي وجودها، بل قد يُفاقمها. كلما طال وقت الانتظار دون تقييم أو دعم، تقل فرص التدخل المبكر، مما يزيد من احتمالية تأثير ذلك على ثقة الطفل بنفسه، وعلاقاته، وأدائه الأكاديمي لاحقاً.

كيف نواجه الإنكار ونتجاوزه؟

الوعي أولاً: لا أحد يملك الحقيقة الكاملة من النظرة الأولى، لكن الاستماع لملاحظات المختصين والمعلمين وعدم تجاهل العلامات الأولى هما الخطوة الأولى نحو التغيير.

الحديث المفتوح: مشاركة المخاوف مع شريك الحياة أو معالج نفسي قد يساعد الآباء على تنظيم مشاعرهم والتعامل معها بمرونة.
بهار مترجم الحلقة 45

التثقيف الذاتي: القراءة والاطلاع حول طبيعة التشخيصات المبكرة يمكن أن يخفف من الخوف منها، ويحولها من "وصمة" إلى "معلومة".

التركيز على مصلحة الطفل: في النهاية، ما يهم ليس "ماذا سيقول الناس"، بل ماذا يحتاج هذا الطفل الآن ليشعر بالأمان والثقة والنجاح.

قد يكون الاعتراف بوجود مشكلة لدى الطفل من أصعب ما يمكن أن يمر به الآباء، ولكنه أيضًا أكثر الأمور شجاعة التي يمكنهم القيام بها. فالحب يقاس ليس فقط بالرغبة في حماية الطفل، بل بالقدرة على مواجهة الواقع والعمل من أجل مستقبل أفضل. والإنكار، رغم أنه قد يبدو مريحًا في البداية، لا يُعالج الأمور، بل يُؤخر الطريق نحو الشفاء.