الدراما: بين الكيمياء والشللية

في كل موسم درامي، تعود الوجوه المعروفة لتتصدر الساحة الفنية، حيث يتكرر ظهور الأسماء ذاتها ليس فقط على الشاشة أمام الكاميرا، بل أيضاً في كواليس الإنتاج والإخراج. تتكرر التوليفات المعهودة بدءاً من النصوص المعتمدة ووصولاً إلى أساليب الإخراج، مما جعل الجمهور قادراً على التنبؤ بالعلاقات والشخصيات قبل عرض الحلقات على الشاشات.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن أمام "كيمياء فنية" أثبتت نجاحها وجذبت الجماهير، أم أننا نغوص في فخ "الشللية" التي تخنق الإبداع وتمنع تجديد الدماء في عالم الفن؟
تحالفات درامية أم تكرار قاتل للمفاجأة؟

يعتبر بعض المتابعين أن تكرار التعاونات الفنية يقضي على عنصر المفاجأة ويقلل من فرص التجريب والتطوير، بينما يعتقد آخرون أن الانسجام المهني بين فريق العمل يؤدي إلى نتائج مضمونة ويعزز من نجاح المسلسل جماهيرياً.
في هذا السياق، يوضح الناقد الفني وسام كنعان أنه يُعرف هذه الظاهرة بـ"الشللية"، وهي ليست بجديدة في الدراما السورية، بل هي ظاهرة متجذرة منذ البدايات الأولى لهذه الصناعة.
ويضيف أن هذا التفاهم بين الفريق الفني يعد أمراً مشروعاً، حيث يعود الكثير من ذلك إلى ارتياح المخرج لمجموعة معينة من الممثلين الذين يعرف كيف يمكنهم تنفيذ المطلوب تحت ضغط الوقت والميزانية المحدودة.
صراع مع الوقت.. ومعايير الإنتاج تفرض نفسها

من وجهة نظر الفنان كفاح الخوص، فإن لهذه الظاهرة وجهين: إيجابي وسلبي. فالعمل مع فريق متفاهم يسهل الإنجاز في ظل ضغوطات التصوير السريعة، خاصة أن بعض المسلسلات تُصوَّر أحياناً خلال فترة عرضها.
على الجانب الآخر، يرى وسام كنعان أن الواقع الإنتاجي يلعب دوراً كبيراً في ذلك، حيث يُستبعد بعض الممثلين بسبب رفضهم أجوراً متدنية، بينما تُخصص الحصة الأكبر من الميزانية لنجوم الصف الأول، مما يحد من فرص الممثلين الآخرين.
فرص ضائعة.. والمصالح أولاً
يتفق كفاح الخوص ووسام كنعان على أن العلاقات الشخصية تلعب دوراً مهماً في اختيار فريق العمل، وقد تُقدّم المصالح الخاصة على معايير الجودة، مما يؤدي إلى تهميش العديد من المواهب، واستنساخ التركيبة نفسها في الأعمال الفنية.
زهور الدم الحلقة 463
ويؤكد كنعان أن هذه المنظومة تترك ممثلين موهوبين ينتظرون الفرصة، خارج دائرة الضوء، ليس لسبب سوى أنهم لا ينتمون إلى "الشلّة" أو يرفضون التسويات المالية.
الجمهور بين الرضا والملل
لكن ماذا عن الجمهور؟ هل لاحظ هذا التكرار؟
يجيب كنعان بأن الجمهور في المجمل "سعيد بما يُقدَّم له"، وأنه يمتلك ذائقة فطرية لا تتوقف كثيراً عند التحليلات النقدية. ومع ذلك، يشير كفاح الخوص إلى أنه يسمع من بعض المتابعين ملاحظات حول ضياعهم بين الشخصيات والمسلسلات بسبب تكرار الوجوه ونمط الأداء.
حول مستقبل هذه الظاهرة، يرى كنعان أن الدراما السورية البحتة باتت قليلة الوجود، كما في مسلسل "البطل"، وأن إنهاء "الشللية" يتطلب رأس مال إنتاجياً حراً، ومنتجاً فنياً قادراً على اتخاذ قرارات جريئة تتعلق بفريق العمل وتجديده.
أما كفاح الخوص، فلا يمانع هذه الظاهرة طالما أنها تترافق مع توافق وانسجام فني، حيث يعبر عن رغبته في العمل مجدداً مع مخرجين مثل: الليث حجو، ورشا شربتجي، وسامر البرقاوي، مع أمل خاص بالتعاون مع المخرج يزن شربتجي.
في النهاية.. هل هناك وصفة للنجاح؟
بين "الكيمياء" و"الشللية"، تظل النتيجة هي المعيار. هل يصل العمل إلى قلوب المشاهدين؟ هل يترك أثراً؟ وهل يجدد ما يُقال ويُقدَّم؟
الدراما ليست معادلة جاهزة، بل هي مساحة مفتوحة للاجتهاد والتجريب، وربما يكمن السر في تحقيق توازن ذكي بين فرق عمل متفاهمة، وفتح الأبواب لوجوه جديدة قد تغيّر شكل المشهد الفني تماماً.