-

حماية الأرض من الكويكبات: تجربة تاريخية

حماية الأرض من الكويكبات: تجربة تاريخية
(اخر تعديل 2025-09-24 22:43:27 )
بواسطة

في عالم يتطور باستمرار، لم تعد فكرة حماية الأرض من الكويكبات مجرد خيال علمي، بل أصبحت واقعًا ملموسًا بفضل الجهود العلمية المبذولة. وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" حققت إنجازًا استثنائيًا من خلال تنفيذ أول تجربة من نوعها لتغيير مسار كويكب عبر الاصطدام المباشر، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال الدفاع عن كوكبنا.
بارينيتي الحلقة 85

ناسا تغير مدار كويكب باستخدام مركبة فضائية

من مركز تحكم متطور في مدينة تورينو الإيطالية، أُرسلت إشارة راديوية خافتة نحو مركبة "دارت" (DART)، لتبدأ رحلة تاريخية على بُعد أكثر من 8 ملايين كيلومتر عن الأرض. كانت المهمة واضحة: الاصطدام بالقمر الكويكبي "ديمورفوس" وتعديل مساره بشكل فعال.

قبل لحظات من الاصطدام، أطلقت "دارت" رفيقتها الصغيرة "ليتشيا كيوب"، وهي قمر صناعي مصغر مصمم لتوثيق الحدث لحظة بلحظة. وعند لحظة الاصطدام، تحولت الطاقة الحركية إلى انفجار هائل، حيث قذف ما يقارب 16 ألف طن من الصخور والغبار في الفضاء، وهو ما يعادل وزن 100 طائرة جامبو ممتلئة.

هذا الحطام شكل ذيلًا فضائيًا استمر لعدة أيام، مشابهًا لذيل مذنب. ورغم أن الكمية المطرودة لم تتجاوز نصف بالمئة من كتلة "ديمورفوس"، إلا أن التأثير كان مذهلاً: مدار "ديمورفوس" تقلص بمقدار 33 دقيقة، وهو تغيير يمكن رصده من الأرض، مما يثبت فعالية تقنية الاصطدام الحركي.

دقيقة واحدة.. وثلاث ثوانٍ تصنع التاريخ

القمر الصناعي "ليتشيا كيوب"، الذي كان يسير بسرعة 24 ألف كيلومتر في الساعة، كان لديه دقيقة واحدة فقط لتوثيق هذا الحدث التاريخي، حيث التقط صورًا كل ثلاث ثوانٍ، وكانت أقرب الصور من مسافة 85 كيلومترًا. استخدمت كاميرته "LUKE" أطوالًا موجية متعددة لرصد تفاصيل السحابة الناتجة عن الاصطدام.

أظهرت الصور توهجًا ساطعًا في البداية، ثم خفت تدريجيًا، مما يدل على وجود جسيمات أكبر داخل السحابة. الجزء الداخلي كان كثيفًا لدرجة أنه تطلب نماذج حاسوبية لتقدير كتلته، وكشفت النتائج أن نحو 45% من الحطام لم يكن مرئيًا.

ماذا كشف الحطام عن طبيعة الكويكب؟

باستخدام نماذج مخبرية وحاسوبية، أعاد العلماء تقدير كمية الحطام من 8 آلاف طن إلى 16 ألف طن، بعد احتساب الجزء غير المرئي. توزيع حجم الجسيمات اتبع نمطًا رياضيًا يُعرف بـ"قانون القوة"، حيث كانت الجسيمات الصغيرة أكثر عددًا بكثير من الكبيرة، وهو نمط شائع في الانفجارات عالية الطاقة.

أما "ديمورفوس" نفسه، فقد تبيّن أنه ليس صخرة صلبة، بل "كومة أنقاض" ضعيفة التماسك، بقوة أقل من الثلج المضغوط. هذا الاكتشاف له أهمية بالغة، إذ إن العديد من الكويكبات القريبة من الأرض قد تكون ذات بنية مشابهة، مما يستدعي تعديل استراتيجيات الدفاع الكوكبي وفقًا لتركيبة كل كويكب.

من الفضاء يبدأ الدفاع عن الأرض

رغم أن معظم الكويكبات لا تشكل خطرًا مباشرًا، فإن احتمالية حدوث دمار إقليمي تجعل من الدفاع الكوكبي أولوية علمية. تجربة "دارت" أثبتت أن مركبة صغيرة يمكنها إحداث تغيير كبير في مسار كويكب، وأن الحطام الناتج قد يعزز هذا التأثير.

لكن التحدي الأكبر يكمن في تنوع تركيبة الكويكبات، فبينما يتفكك "الرُكام الفضائي" بسهولة، قد تمتص الصخور الصلبة الاصطدام دون تغيير يُذكر. كما قال الباحث تيموثي ستوبس: "كل اصطدام يحمل مفاجآت جديدة". وهكذا، تستمر رحلة البحث، وكل تجربة تقربنا خطوة نحو حماية الأرض من تهديدات الفضاء.