إلياس الرحباني: عبقرية موسيقية خالدة
في ذكرى رحيل الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، نستحضر معًا عبقريته الفنية الفريدة التي تركت بصمة لا تُنسى على ملامح الموسيقى اللبنانية والعربية. وُلد الرحباني في عام 1938 في قرية أنطلياس، حيث نشأ في كنف عائلة غنية بالفن، مما ساهم في تشكيل شخصيته الفنية وموهبته الاستثنائية. ورغم التحديات التي واجهها خلال مسيرته، استطاع أن يكتب اسمه في سجلات الموسيقى العالمية بحروف من ذهب، تاركًا إرثًا فنيًا يمتد عبر الأجيال.
البدايات.. شغف الموسيقى منذ الطفولة
نشأ إلياس الرحباني في بيئة فنية حاضنة، حيث تأثر بشغف الموسيقى وأخويه، عاصي ومنصور، اللذين كانا من أبرز أعلام الموسيقى العربية. تلقى تعليمه الموسيقي في الأكاديمية اللبنانية والمعهد الوطني للموسيقى، بالإضافة إلى التدريب المكثف تحت إشراف أساتذة فرنسيين. وعلى الرغم من إصابته في يده اليمنى، مما منعه من إكمال دراسته في روسيا، إلا أنه أصر على متابعة شغفه بالعزف والتأليف مستخدمًا يده اليسرى. لقد كان مثالًا حيًا على أن الإرادة والشغف يمكن أن يتجاوزا أي عقبة.
محطات مهنية بارزة
بدأت رحلة إلياس المهنية عام 1958 عندما تعاقدت معه إذاعة "بي بي سي" لتلحين 40 أغنية و13 برنامجًا، وكانت هذه التجربة بمثابة الانطلاقة نحو عالم الاحتراف في الموسيقى. وفي عام 1962، تعاون مع الفنان نصري شمس الدين في أغنية "ما أحلاها"، التي كانت بداية لتعاوناته مع كبار الفنانين. كما شغل منصب مستشار موسيقي في إذاعة لبنان وبدأ في الإنتاج الموسيقي لصالح شركات التسجيل.
إرث موسيقي خالد
قدّم إلياس الرحباني أكثر من 2500 عمل موسيقي، بما في ذلك 2000 أغنية عربية، فضلًا عن موسيقى تصويرية لأفلام ومسلسلات بارزة مثل "دمي ودموعي وابتسامتي" و"حبيبتي". تعاون مع أعلام الغناء العربي مثل فيروز، حيث لحّن لها أغنيات خالدة مثل "كان عندنا طاحون" و"يا طير الوروار". ولم تقتصر تعاونهات على ذلك، بل شمل أيضًا صباح ووديع الصافي وماجدة الرومي، كما تعاون مع أجيال جديدة من الفنانين مثل جوليا بطرس وباسكال صقر.
السلة المتسخة الحلقة 41
جوائز وتكريمات عالمية
نال الرحباني العديد من الجوائز العالمية تقديرًا لمسيرته الفنية الحافلة، من أبرزها جائزة مهرجان أثينا عن مقطوعة "La Guerre Est Finie" عام 1970، وشهادة السينما في مهرجان البندقية عام 1977. كما حصل على دكتوراه فخرية من جامعة بارينغتون في واشنطن وجامعة أستورياس في إسبانيا.
معركة قانونية وانتصار للملكية الفكرية
في عام 2004، خاض إلياس معركة قانونية بشأن أغنية "أتحدى العالم"، حيث أثبتت لجنة الاستماع التشابه بين لحن الأغنية ومعزوفته "نينا ماريا". وأصدرت المحكمة حكمًا لصالحه، مما أدى إلى إضافة اسمه كملحن وسحب الألبوم من الأسواق، وهو ما يعد انتصارًا كبيرًا للحقوق الفكرية في عالم الموسيقى.
الرحيل المؤلم
في الرابع من يناير 2021، رحل إلياس الرحباني عن عمر يناهز 83 عامًا إثر إصابته بفيروس كورونا. ترك وراءه إرثًا موسيقيًا خالدًا يجسد عبقرية فنية استثنائية ستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة وملهمة لعشاق الفن الأصيل.