التعلق المفرط لدى الأطفال: الأسباب والحلول

تعتبر العلاقة بين الأطفال وأمهاتهم من أعمق الروابط الإنسانية، حيث تمثل هذه العلاقة الفطرية مصدرًا للأمان والراحة للطفل. ومع ذلك، قد يتجاوز هذا التعلق الحدود الطبيعية ليصبح مفرطًا في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى تصرفات قد تبدو غريبة، مثل رفض الطفل تناول الطعام إلا إذا كانت والدته هي من أعدته، أو رفضه القيام بواجباته إلا بحضورها.
صلاح الدين الأيوبي الحلقة 31
بينما يعتبر البعض أن هذه التصرفات طبيعية، إلا أن سلوكيات مثل رفض الطفل التعلم أو الإجابة بشكل صحيح إلا بحضور والدته تثير تساؤلات عديدة حول مشاعر هذا الطفل وما يختبئ وراء تلك التصرفات. فما الذي يدفع الطفل إلى هذا التعلق المفرط؟ وهل هو مجرد سلوك عابر أم أنه يعكس شيئًا أعمق من ذلك؟
في هذا المقال، سوف نستعرض موضوع التعلق المفرط لدى الطفل بوالدته، ونستكشف أسبابه وجذوره، كما سنتناول طرقًا عملية للتعامل مع هذه الحالة بشكل يساعد على الحفاظ على التوازن العاطفي للطفل ويساهم في نموه بشكل صحي ومستقل.
لماذا يتمسك طفلك بك؟

يعتبر التصاق الأطفال المستمر بأمهاتهم وآبائهم سلوكًا طبيعيًا يواجهه الكثير من الآباء في مراحل نمو أطفالهم، خاصة في السنوات الأولى. فعندما نفكر في أسباب تمسك الطفل بأمه، نجد أنها تعود إلى حاجته الفطرية للأمان. منذ العصور القديمة، كان بقاء الأطفال بالقرب من أسرهم ضروريًا لضمان بقائهم على قيد الحياة، إذ كانوا أكثر عرضة للمخاطر عند الابتعاد عن المجموعة. لذا، يعد التصاق الطفل في جوهره سلوكًا مرتبطًا بغريزة البقاء.
لكن في بعض الأحيان، يتجاوز هذا التعلق الطبيعي ليصبح سلوكًا مفرطًا، يحمل في طياته مشاعر وأحاسيس أعمق. إليك بعض التفسيرات التي قد تساعد في فهم هذا السلوك:
القلق والضغط النفسي
قد يشعر الطفل بالقلق نتيجة لتغيرات في بيئته أو روتينه اليومي. ورغم أن هذه التغيرات قد تكون غير مرئية للآباء، إلا أنها تؤثر بشكل كبير على الطفل، مما يجعله يبحث عن الراحة والأمان في أحضان والديه. وهنا، يعد التصاق الطفل تعبيرًا عن احتياجه للطمأنينة.
البيئة غير المستقرة
في بيئة غير مستقرة، حيث تتغير الأمور بشكل مستمر أو تكون الأحداث غير متوقعة، يشعر الطفل بفقدان السيطرة، مما يزيد من تعلقه بوالديه. هذا السلوك يعكس شعور الطفل بعدم الأمان، ويدفعه للتمسك بالأشخاص الذين يشعر معهم بالراحة.
الأم العاملة
تواجه الأم العاملة الكثير من ردود الفعل المشابهة، حيث تضطر للابتعاد عن طفلها لفترات طويلة خلال اليوم، مما يجعل الطفل يسعى لتعويض هذا البعد بالتصاقه بها قدر الإمكان.
الملل والبحث عن التفاعل
بعض الأطفال قد يظهرون سلوكيات متشبثة لأنهم ببساطة يبحثون عن المزيد من التفاعل. قد يفتقرون إلى الأنشطة التي تحفزهم، فيلجؤون للالتصاق بأمهاتهم أو آبائهم كوسيلة للحصول على الاهتمام الذي يحتاجونه.
كيفية التعامل مع الطفل المتعلق
إليك بعض النصائح التي قد تساعدك في التعامل مع هذه السلوكيات بشكل إيجابي:
التفاعل الإيجابي بشكل استباقي
أفضل طريقة للتعامل مع التعلق المفرط هي توفير الاهتمام الإيجابي بشكل مستمر. لا تنتظري حتى يصبح الطفل في حالة من الاضطراب لجذب انتباهك، بل حاولي أن تقدمي له الدعم عندما يكون هادئًا ومنخرطًا في نشاطاته اليومية، مثل اللعب أو الرسم.
التمسك بالروتين اليومي
يعد الحفاظ على روتين ثابت في أوقات النوم والطعام واللعب من أفضل الطرق لمساعدة الطفل على الشعور بالأمان. فالأطفال لا يدركون مفهوم الوقت جيدًا، لكنهم يفهمون التسلسل، لذا من المهم أن يتمتع يومهم بجو من التوقعية والاتساق.
إرساء الحدود بوضوح
بينما يعتبر التعلق المفرط للطفل سلوكًا طبيعيًا، فإن تحديد حدود واضحة له يساعده على فهم المساحات التي يجب احترامها. إذا شعر الطفل بأن التصاقه بوالديه في كل الأوقات ليس مريحًا للجميع، من المهم أن تضعي له حدودًا تضمن له الشعور بالأمان وفي نفس الوقت تتيح لك مساحة خاصة.
في النهاية، يجب أن ندرك أن السلوكيات هي دائمًا شكل من أشكال التواصل. عندما يتمسك الطفل بأحد والديه، فإنه لا يفعل ذلك فقط بحثًا عن الاهتمام، بل هو وسيلة للتعبير عن احتياجاته العاطفية والنفسية. لذا، من الضروري أن نفهم الرسالة التي يحملها سلوك الطفل، وأن نكون هادئين في ردود أفعالنا بما يتناسب مع ما يحتاجه.