معرض كنوز غزة: استعادة التراث التاريخي

يحتضن معهد العالم العربي في باريس معرضاً فريداً بعنوان "كنوز غزة التي أنقذت، 5000 سنة من التاريخ". يُستقبل الزوار في هذا المعرض حتى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وذلك بهدف إعادة الاعتبار لتراث غزة الذي تعرض للتخريب والتدمير نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف. هذا التدمير لم يمس فقط البشر، بل أدى أيضاً إلى اندثار تاريخ يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام.
معركة هير 2 الحلقة 13
تفاصيل معرض "كنوز غزة التي أنقذت، 5000 سنة من التاريخ"

يهدف معرض "كنوز غزة التي أنقذت، 5000 سنة من التاريخ"، حسب مشرفته إلودي بوفار، إلى إحياء الذاكرة الثقافية للمنطقة وإبراز عمقها الحضاري الذي طمرته الحرب. يُعتبر هذا المعرض الأول من نوعه في فرنسا، كما يؤكد رئيسه جاك لانغ. يتضمن المعرض أكثر من 130 قطعة أثرية تُظهر تاريخ غزة الطويل، والذي يمتد عبر ثماني حضارات مختلفة.
تعكس المجموعات المعروضة نتائج التنقيبات الأثرية التي أجرتها فرق فرنسية وفلسطينية بالتعاون منذ العام 1995. تحت إشراف عالم الآثار الفرنسي القس الدوميناكي جان باتيست همبير (84 عاماً)، تنتمي أقدم القطع إلى العهد البرونزي، أي حوالي 3200 سنة قبل الميلاد، بينما تعود أحدثها إلى العهد العثماني في نهاية القرن التاسع عشر. تشمل هذه القطع التماثيل، والأحجار، والجرار، والأدوات النقدية، ومن بينها وعاء فخاري يعود إلى أربعة آلاف عام وفسيفساء بيزنطية من القرن السادس، بالإضافة إلى تمثال لأفروديت، مما يعكس التأثيرات الهلنستية في المنطقة.
كذلك، يكشف المعرض عن القصة المذهلة لهذه القطع الأثرية التي وصلت إلى باريس بعد أن كانت عالقة في منطقة جنيف الحرة لمدة 17 عاماً، في انتظار عودتها إلى موطنها الأصلي، بعد عرضها في متحف جنيف عام 2006. لم يتمكن سوى 150 قطعة من أصل 529 من العودة إلى غزة بسبب الحصار وعرقلة السلطات الإسرائيلية. وقد اختار مصممو المعرض عرضها على قواعد معدنية مثبتة على عجلات، وكأنها مستعدة للرجوع إلى الوطن في أي لحظة، مما يبرز المفارقة المحزنة بين النفي القسري الذي تعرضت له هذه الكنوز الأثرية.

كما يتضمن المعرض جولة افتراضية ثلاثية الأبعاد داخل دير القديس هيلاريون، الذي يُعتبر من أقدم الأديرة في الشرق الأوسط، حيث شُيّد عام 329 ميلادياً. تم إدراجه على قائمة الممتلكات الثقافية المحمية دولياً من قبل "اليونيسكو" في يوليو/ تموز 2024. وعلى الرغم من صعوبة إجراء جرد دقيق لكل المعالم الأثرية التي تعرضت للدمار منذ بداية الحرب على غزة، إلا أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونيسكو) رصدت الأضرار التي لحقت بأكثر من 94 موقع أثري في القطاع عبر صور الأقمار الصناعية.
من بين هذه المعالم، المسجد العمري الكبير الذي شُيّد عام 700 ميلادياً على أنقاض كنيسة بيزنطية، وقد تعرض للقصف مراراً، كان آخرها في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023. كما تعرض متحف قصر الباشا الذي يضم قطعاً من العهود: اليوناني، الروماني، البيزنطي والإسلامي، لأضرار جسيمة نتيجة القصف الإسرائيلي. وتعتبر هذه المواقع شاهداً على تاريخ حافل بالأحداث، يُظهر كيف أن الثقافات والحضارات تتأثر وتتفاعل على مر العصور.