-

الطيبة: بين الكرم والحدود الشخصية

الطيبة: بين الكرم والحدود الشخصية
(اخر تعديل 2025-04-25 10:11:35 )
بواسطة

في عالم مليء بالضغوط الاجتماعية والتوقعات المتزايدة من المحيطين بنا، يصبح من الصعب التمييز بين الطيبة الحقيقية والتنازل المستمر عن الذات. كثيرون منا نشأوا يعتقدون أن قول "نعم" في كل موقف هو الطريقة المثلى لتحقيق القبول الاجتماعي، وأن الرفض قد يجرح مشاعر الآخرين أو يترك انطباعًا سلبيًا عنا.

نجد أنفسنا نمدّ أيدينا للمساعدة، ونستجيب لكل طلب، ونتماشى مع احتياجات الجميع... ولكن في النهاية، نعود إلى ذواتنا مرهقين، مرتبكين، ونتساءل: هل أنا حقًا طيب؟ أم أنني ببساطة لا أستطيع أن أقول "لا"؟

إن الطيبة، حين تُفهم بشكل خاطئ، تتحول من كونها فضيلة إلى عبء ثقيل. فالرغبة في أن نكون محبوبين قد تدفعنا إلى تجاوز الحدود الشخصية مرارًا وتكرارًا، إلى إرضاء الآخرين على حساب راحتنا النفسية، وفي بعض الأحيان، إلى السكوت عندما يجب أن نتحدث.
العبقري مدبلج الحلقة 136

المشكلة ليست في الطيبة بحد ذاتها، بل في غياب الحدود التي تحميها وتمنحها معناها الحقيقي. في هذا المقال، سنستعرض سويًا هذا الخط الرفيع بين الكرم في المشاعر والانهيار أمام التوقعات، ونتساءل: هل أنت طيب حقًا، أم أنك فقط تخشى أن ترفض؟

الطيبة لا تعني الموافقة الدائمة

طيبة

من السهل أن يختلط الأمر على البعض بين الحزم والأنانية، وبين الرفض والفظاظة. كم من مرة قلتَ "نعم" بينما كنت تشعر في أعماقك برغبة في قول "لا"؟ وكم مرة شعرت بالخوف من رفض طلب ما حتى لا تُوصف بعدم التعاون أو ببرود المشاعر؟

في الحقيقة، الطيبة ليست نقيضًا للرفض، بل يمكن أن يكون الرفض أصدق أشكال الطيبة إذا كان يحميك من الغضب المكبوت أو الاستنزاف العاطفي.

عندما تصبح الطيبة عبئًا

تتحول الطيبة إلى عبء عندما يشعر الشخص بأنه مُلزم بتلبية جميع الطلبات، حتى إن كانت قدراته لا تسمح بذلك، أو رغباته لا تتوافق مع ما يُطلب منه.

هذا قد يؤدي إلى شعور دائم بالإرهاق، أو إحساس بالاستغلال، أو حتى لوم داخلي متكرر: "لماذا وافقت؟ لماذا لم أرفض؟". رغم أن هذا السلوك يبدو "لطيفًا"، إلا أنه قد يقود في النهاية إلى تراكم المشاعر السلبية، وإلى علاقات غير متوازنة، بل وإلى حالة من الاحتراق العاطفي.

لماذا يصعب قول "لا"؟

غالبًا ما لا يعود السبب فقط إلى التربية، بل هو نتيجة مزيج من التجارب السابقة، والخوف من الرفض، والسعي للقبول بأي ثمن. فالشخص الذي نشأ في بيئة يتم فيها مكافأته عند تصرفه كـ"ولد جيد"، وقد يُعاقَب أو يُنتقد عند إبداء رفضه، يكبر وهو يربط بين المحبة والموافقة، وبين القبول الشخصي والتضحية بالنفس.

الطيبة الواعية: كيف تكون طيّبًا دون أن تُلغى؟

إن الطيبة ليست في رضا الجميع، بل في التصرف من قلب صادق دون أن تتعدى على ذاتك. ولتكون طيّبًا دون أن تُستغل، يمكنك اتباع النصائح التالية:

  • تعلم قول "لا" بلطف. لا تحتاج إلى تبرير دائم، يكفي أن تقول "لا أستطيع"، أو "لا يناسبني الآن".
  • ميز بين الاستجابة بدافع الحب والاستجابة بدافع الخوف.
  • راقب مشاعرك بعد كل موافقة. إذا شعرت بالثقل أو الندم، فهناك شيء يحتاج إلى مراجعة.
  • تذكر: من يحبك حقًا، لن يغضب من حدودك.

أن تكون طيّبًا لا يعني أن تُشعل نفسك نورًا للآخرين حتى تنطفئ. لا يعني أن تقول "نعم" بينما قلبك يصرخ "لا".

أن تكون طيّبًا فعلًا يعني أن تحب بوعي، وأن تعطي بحدود، وأن تُرضي نفسك كما تُرضي الآخرين. لذا، في المرة القادمة التي يُطلب منك شيئًا لا يناسبك، اسأل نفسك أولًا: هل هذا نابع من طيبتي؟ أم من خوفي من قول "لا"؟