-

كيف نتعامل مع الاختلافات في العلاقات

كيف نتعامل مع الاختلافات في العلاقات
(اخر تعديل 2025-07-14 11:19:28 )
بواسطة

في عالم العلاقات، سواء كانت تلك علاقات شخصية أو مهنية، قد يبدو الاختلاف في وجهات النظر أمراً بسيطاً، لكنه سرعان ما يتحول إلى مصدر للتوتر والانفصال. على الرغم من أننا جميعاً نتفق على أن لكل شخص رأيه الخاص، إلا أننا نكتشف أن التعايش مع هذا الاختلاف ليس بالأمر السهل دائماً.

فلماذا يمكن لرأي مخالف في السياسة، أو حتى مجرد اختلاف حول كيفية ترتيب الصحون في الجلاية، أن يهدد صداقة استمرت لسنوات؟ الجواب يكمن في الطريقة التي تتفاعل بها أدمغتنا مع التباين: نحن لا نستمع لرأي مختلف فحسب، بل نشعر أيضاً بالخطر.

لماذا يبدو الخلاف تهديداً؟

عندما يتفق معنا أحدهم، يشعر دماغنا بنشوة داخلية، ويتلقى دفعة من "الدوبامين"، مما يترجم إلى شعور بالأمان والتقبل والانتماء. لكن عندما يعارضنا أحد، ينتقل دماغنا تلقائياً إلى "وضع الدفاع": نشعر بالتوتر والارتباك، وقد تظهر لدينا رغبة في الانسحاب أو الهجوم.

في هذه اللحظة، يتحول النقاش البسيط إلى ساحة معركة: من يربح؟ من يخطئ؟ ومن الأحق بالثقة؟ المشكلة تكمن في أن معظمنا يربط رأيه بهويته الذاتية، مما يجعلنا نشعر بأن رفض رأينا هو بمثابة هجوم على قيمتنا الشخصية.

الأسلوب مهم بقدر الفكرة

الأمر لا يتعلق فقط بالمحتوى، بل بكيفية التعبير عن هذا المحتوى. إذا كنت تتفاعل مع شخص يتجه نحو المواجهة، بينما تميل أنت لتجنب الصراع، ستجد أنكما تدوران في حلقة مفرغة. أحدكما يرى في الانسحاب "هروباً"، والآخر يراه "وقاية". هذا التناقض يزيد الضغط ويضاعف احتمالات سوء الفهم.

كذلك، نحن نميل لا شعورياً إلى التركيز على أخطاء الطرف الآخر وتجاهل نقاط ضعف حججنا. هذا الميل لتأكيد آرائنا فقط يضعف قدرتنا على الاستماع بصدق، ويفتح الباب للتصلب والتمسك بالمواقف من دون مرونة.
سيوف العرب الحلقة 8

كيف نحافظ على العلاقة رغم الخلاف؟

الاختلاف لا ينبغي أن يكون نهاية العلاقة. بل يمكن أن يكون فرصة لفهم أعمق وتواصل أصدق. وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدك في التعامل مع الاختلافات:

تذكّر الهدف من النقاش

هل هدفك هو "الفوز"؟ أم أن الأهم هو الحفاظ على علاقة حيوية ومحترمة؟ عندما تتذكر أن الهدف هو التفاهم وليس الانتصار، يصبح من الأسهل عليك أن تهدأ وتستمع.

درّب نفسك على البقاء في منطقة الأمان

عندما تشعر أنك تدخل في حالة "القتال أو الهرب"، خذ نفساً عميقاً، استرخِ، واجلس في وضعية مريحة. يمكنك استخدام تقنية بسيطة من العلاج السلوكي تُسمى "OOPS": إذا شعرت أنك ارتكبت خطأ أو أنك لم تُفهم بشكل صحيح، وسّع عينيك، ارفع حاجبيك قليلاً، وقل ببساطة: "أووه، لحظة". هذه الحركة البسيطة تقلل من التوتر وتكسر حدة اللحظة.

كن رحيماً، لكن لا تتخلى عن حدودك

افترض أن الطرف الآخر يمر بمشاعره الخاصة، وقد لا يكون القصد هو الإيذاء. مارس التعاطف، لكن لا تسمح بتجاوز احترامك لذاتك. يمكنك أن تقول: "أحترم رأيك، لكن لدي وجهة نظر مختلفة وأود الحفاظ على العلاقة رغم الاختلاف."

استبدل الدفاع بالفضول

بدلاً من الإصرار على إثبات وجهة نظرك، اسأل الطرف الآخر عن دوافع رأيه. استمع، حتى إن لم توافق. الفهم لا يعني الموافقة، لكنه خطوة نحو مساحة مشتركة.

خذ استراحة إن لزم الأمر

بعض النقاشات تحتاج إلى وقت للتفكير. لا بأس في أن تطلب مهلة لإعادة التوازن، بشرط أن توضح للطرف الآخر أنك ستعود للنقاش لاحقاً، وليس كوسيلة للتهرب أو العقاب.

تذكّر الصورة الكاملة

أحياناً، نغرق أنفسنا في تفاصيل صغيرة، وننسى قيمة العلاقة ككل. الخلاف لا يُلغي الذكريات الجميلة، ولا يشوّه الاحترام المتبادل. انظر إلى الشخص ككل، لا كخصم مؤقت.

حدّد عمق العلاقة

ليس كل الأشخاص في حياتك يحتاجون إلى أن يكونوا في الدائرة الأقرب. إذا كانت الاختلافات كبيرة وتؤثر على التقارب، يمكنك ببساطة إبقاء العلاقة على مستوى سطحي أو وظيفي، دون أن تلزم نفسك بتواصل عاطفي عميق.

الخلاف ليس الخطر، بل طريقة التعامل معه. عندما نحمي أنفسنا من ردود الفعل الغريزية، ونتعلم فن الإصغاء دون تنازل، نتجاوز الانقسام ونتجه نحو علاقة أكثر نضجاً واتزاناً. فكر في كل نقاش على أنه تدريب على الوضوح الداخلي، وليس معركة للبقاء.