كيف نصنع طفلاً واثقًا وعاطفيًا

في عصر تتسارع فيه الإيقاعات وتزداد الانشغالات اليومية، يبقى السؤال حول كيفية تربية الأطفال حاضرًا بقوة: ما الذي يجعل من الطفل شخصًا واثقًا، متوازنًا، وقادرًا على التعبير عن مشاعره بوضوح؟
الإجابة على هذا السؤال ليست مرتبطة بعدد الأنشطة التي نقوم بإلحاقها بهم أو الألعاب التي نشتريها لهم، بل تتعلق بشيء أكثر بساطة وعمقًا: جودة الوقت الذي نقضيه معهم ومدى عمق الاتصال العاطفي الذي ننشئه معهم.
ما الذي يميز الطفل الذكي عاطفيًا

الذكاء العاطفي هو مهارة لا تُكتسب بالفطرة، بل تتطور مع مرور الوقت وبفضل البيئة المحيطة. الطفل الذي يتمتع بذكاء عاطفي هو ذلك الذي يستطيع تحديد مشاعره، التمييز بينها، وإيجاد الطرق الملائمة للتعبير عنها وتنظيمها.
هؤلاء الأطفال يتمكنون من التعامل مع خيبات الأمل، يعبرون عن غضبهم دون إيذاء الآخرين، ويطلبون احتياجاتهم دون صراخ أو انفعال.
لكن لتحقيق ذلك، يجب أن يعيشوا في بيئة تشبه الحاضنة، مليئة بالتفهم والاحترام. الأطفال الذين يتمتعون بعلاقة حقيقية مع والديهم هم الأكثر قدرة على التأقلم والتكيف، حيث يتعلمون من خلال التفاعل النشط بدلاً من الأوامر والتعليمات الجافة.
حين يصبح الوقت النوعي علاجًا
على الرغم من أن الأهل يحملون نوايا حسنة، إلا أن ضغوط الحياة قد تدفع بعضهم إلى الانفصال العاطفي عن أبنائهم. البعض يتركون مسؤولية التربية للهواتف الذكية أو للمربيات، وهناك من يكتفي بإصدار الأوامر واللوم دون الاقتراب من مشاعر الطفل.
أحد أساليب العلاج النفسي الموصى بها للأطفال هو ببساطة تخصيص وقت منتظم للأهل مع أطفالهم. هذا الوقت لا يقتصر على المراقبة أو التوجيه، بل يتطلب اللعب، المحادثة، والاهتمام الصادق بالمشاعر والتجارب التي يمر بها الطفل.
الشخصية تُبنى بعد الولادة
في عيادة المعالجة النفسية للأطفال، توجد لافتة تُشير إلى أن "الطفل يتعلم من خلال تجاربه". إذا عاش القبول، فإنه يتعلم حب ذاته. وإذا عاش الأمان، فإنه يتعلم الثقة. البيئة المحيطة لا تنقل العادات فحسب، بل تُشكل الطباع وتؤثر على الجينات الكامنة.
كما أكد الطبيب الحائز على جائزة نوبل إريك كاندل بقوله إن "تعبير الجينات يتأثر بالتعلم والخبرة". هذا يعني أن علاقتنا اليومية مع أطفالنا قادرة على تعديل آثار الوراثة، وأن التربية ليست مجرد توجيه بل هي عملية بيولوجية-عاطفية تُشكل هوية الطفل من الداخل.
صلاح الدين الأيوبي الحلقة 31
الانضباط لا يأتي بالأوامر
يشكو العديد من الأهل من قلة انضباط أطفالهم، لكنهم يغفلون عن العنصر الأساسي الذي يجعل التعليمات فعالة: العلاقة. الطفل لن يستمع لأوامر من شخص يشعر أنه لا يفهمه أو لا يهتم به. الانضباط الفعّال يبدأ من بناء جسر من التواصل والاحترام المتبادل.
توجد العديد من الأمثلة على ذلك؛ أحد الآباء يروي كيف تغير موقف ابنه العنيد عندما بادر للعب معه لبعض الوقت، ثم عاد لطلب إنجاز المهام المنزلية، مما يدل على أن العلاقة الجيدة تعزز التعاون بدلاً من الخوف.
كل لحظة يقضيها الأهل مع أبنائهم وهم منصتون، مشاركون، ومهتمون فعلاً، تُعتبر استثمارًا طويل الأمد في مستقبلهم العاطفي والسلوكي. الذكاء العاطفي لا يتطلب دروسًا معقدة، بل يتطلب تواصلًا حيًا وصادقًا ومستمرًا.
طفل يشعر بأنه مفهوم ومحبوب هو طفل قادر على فهم الآخرين، ضبط نفسه، ومواجهة تحديات الحياة بثقة.