كيف تتعاملين مع أطفالك بعد فقدان والدهم

الموت يأتي دون سابق إنذار، يدخل حياتنا فجأة، ويحوّل الأيام إلى مشهد مختلف تمامًا. يترك خلفه بحرًا من الأسئلة والأفكار التي لا تجد إجابات، وأصعب ما في الأمر هو ما يتركه الفقد من فراغ. فما بالك إذا كان الفقيد هو والد أطفالك؟
في لحظة واحدة، يتغير كل شيء. ليس فقط لأنك فقدت شريك حياتك، ولكن لأنك الآن الوحيدة القادرة على احتواء هذا الغياب، وتفسيره لطفلك، وترجمة معنى الفقد لروح صغيرة لم تعرف بعد كيف تبدأ قصصها.
الأطفال غالبًا لا يعرفون كيف يعبرون عن مشاعرهم، لكنهم يشعرون بالحزن بعمق. قد يصمتون، أو قد يطرحون العديد من الأسئلة، ويبدو عليهم الهدوء بينما تشتعل العواصف في داخلهم. أنت الآن ليست مجرد أم، بل أنت الحاضنة لكل ما تبقى لهم من أمان، والسقف الذي يجب ألا ينهار رغم كل ما تعانين من ألم وارتباك وخوف على مستقبلهم.
قد تجدين نفسك مشوشة بين حزنك الشخصي ورغبتك في فهم ما يحتاجه أطفالك. هل تبكين أمامهم؟ هل تخفين مشاعرك؟ هل تشرح لهم الأمر أم تفضلين الصمت؟
في هذه اللحظة الحرجة، تذكري أنه لا يوجد نموذج مثالي لمواجهة هذا النوع من الفقد. لا أحد يولد مستعدًا لمواجهة الألم بهذا الشكل. لكن الأمر المهم هو أن تكوني صادقة، حنونة، وحاضرة. قد لا تعرفين كل الإجابات، لكن المهم هو أن تقفي بجانبهم، خطوة بخطوة، على طريق قد يبدو طويلاً وصعبًا.
كيفية التعامل مع الطفل بعد وفاة الأب

عندما يتوفى الأب، تتسارع الأسئلة في ذهن الأم: هل يجب أن أخبرهم فورًا؟ هل يجب أن أخفي الأمر عنهم؟ كيف أشرح لطفل صغير أن والده لن يعود؟ في هذه اللحظات، لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع، لكن هناك فهم عميق يمكن أن يوجهك نحو الطريقة الصحيحة التي تحترم ألم الطفل دون أن تزرع فيه الخوف من الحياة.
زهور الثلج الحلقة 9
لا تخفي الحقيقة، بل قدميها بحب
عندما تتلقين خبر الوفاة، قد تميلين لتأجيل الحديث مع الأطفال بدافع الحماية. ولكن الصمت لا يحمي، بل يربك. يحتاج الطفل إلى معرفة الحقيقة، ولكن بطريقة تناسب عمره وفهمه. اجلسي معه في مكان آمن وهادئ، وانظري في عينيه، وأخبريه أن والده قد تُوفي. استخدمي كلمات بسيطة، وتجنبي العبارات المضللة مثل "سافر" أو "ذهب إلى مكان بعيد"، لأن الطفل سيبقى في داخله ينتظر عودته.
امنحيه الإذن بالحزن
العديد من الأمهات يحاولن تهدئة الأطفال فورًا، أو إقناعهم بأن "كل شيء سيكون على ما يرام". لكن الطفل لا يريد حلولًا سريعة، بل يحتاج إلى إذن للبكاء. قولي له: "أنا أعلم أن هذا مؤلم"، أو "أعرف أنك تشتاق إليه". مشاركة مشاعرك معه لا تضعفك، بل تُظهر له أنك أيضًا تتألمين، مما يمنحه شعورًا بالشرعية في حزنه.
لا تتجاهلي الأسئلة الصعبة
أسئلة مثل "أين ذهب بابا؟ هل كان يتألم؟ هل سأموت أنا أيضًا؟" ليست دليلًا على قسوة أو قلة وعي، بل هي محاولة لفهم ما لا يمكن فهمه. كوني صادقة ولكن مطمئنة. يمكنك أن تقولي: "بابا مات لأن جسده لم يعد قادرًا على الاستمرار، لكنه كان يحبك كثيرًا"، أو "الموت لا يحدث لأي شخص فقط لأنه مريض أو كبير، لكنه ليس شيئًا يحدث لكل الناس بسرعة".
الروتين هو ما يمنح الطفل الاستقرار
في الأيام الأولى بعد الفقد، قد يرفض الطفل النوم أو الأكل أو الذهاب إلى المدرسة. لا بأس بفوضى مؤقتة، لكن حاولي إعادة الروتين اليومي تدريجيًا. الروتين يمنح الطفل شعورًا بالأمان عندما يتفكك العالم من حوله. لا تجبريه، بل قودي خطواته بلطف، وذكريه أن الحياة تستمر، وأنك دائمًا بجانبه.
تحدثي عن الأب وكأنه حاضر
الموت لا يمحو الذكريات، ولا يجب أن يُبعد صورة الأب عن تفاصيل الحياة. علّقي صورته، احكي له عن مواقف مضحكة حصلت معه، أو كلمات لطيفة كان يقولها. اجعلي الطفل يشعر أن حب والده لم يمت، وأنه سيظل حاضرًا في قلبه. هذه الخطوة تُسهم في بناء توازن نفسي طويل الأمد.
احميه، لكن لا تعزليه عن الحياة
لا تجعلي الحزن سببًا للعزلة. اسمحي له باللعب، والضحك، وزيارة أصدقائه، ولا تشعري بالذنب إن رأيتِ ابتسامته. الطفل لا يخون حزنه إن ضحك، بل يختبر الحياة بكل ألوانها: مزيج من الألم والفرح.
أخيرًا... لا تهملي نفسك
أنتِ الآن الركيزة الأساسية. حزنك مشروع، وألمك حقيقي، لكن تماسكك ضروري. ابحثي عن الدعم النفسي إن احتجتِ، سواء من الأصدقاء أو الأخصائيين. تربية طفل فقد والده هي مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة حين تكونين صادقة مع نفسك، محبة، ومتقبلة للتغيير.
في النهاية، الحياة تحمل دروسًا متنوعة لجميع البشر، وهو ما يجب أن تتقبليه أولاً ثم تزرعيه في قلوب أطفالك، ليتمكنوا من التعايش مع ما يختاره القدر، مع السماح لكل المشاعر بأن تُعاش.