-

كيف نتجنب مشاكل الأطفال السلوكية

كيف نتجنب مشاكل الأطفال السلوكية
(اخر تعديل 2025-06-24 09:11:34 )
بواسطة

في العديد من المنازل، لا تكون مشكلات الأطفال السلوكية مجرد أحداث عابرة، بل تعكس واقعًا أعمق. فعندما يتعرض الطفل لانتقادات متكررة، تصبح هذه الانتقادات جزءًا أساسيًا من حياته اليومية، مما يجعله يشعر أنه لا مفر له من التمرد كوسيلة للتعبير عن الألم والرفض الذي يعاني منه.

فالتمرد قد يبدو للوهلة الأولى سلوكًا عدائيًا أو عنادًا، لكنه في الحقيقة يمثل صرخة خفية تعبر عن معاناة داخلية: "كفّوا عن كسر روحي".

متى يتحول الانتقاد إلى جرح؟

3050d483-e8fb-4047-b267-5dc098603673

عندما يتعرض الطفل للانتقاد المستمر، سواء في طريقة حديثه أو ملابسه أو أدائه في الدراسة أو تصرفاته اليومية، يبدأ في فقدان الإحساس بالأمان داخل أسرته. يشعر وكأنه تحت المجهر، وأن محبة والديه مشروطة بإتقانه لكل ما يُطلب منه.
صلاح الدين الأيوبي الحلقة 31

ومع مرور الوقت، يتراكم في داخله شعور مؤلم بعدم الكفاية، ويصبح لديه قناعة أنه لن يكون "جيدًا بما فيه الكفاية" مهما بذل من مجهود.

هذه الحالة تؤدي إلى تكوين طفل حساس ومشوش، حيث تتآكل ثقته بنفسه تدريجيًا، وتبدأ ردود أفعاله في التحول من الانسحاب والحزن إلى الغضب والتمرد، وقد تصل أحيانًا إلى إيذاء الذات.

التمرد كوسيلة انتقام عاطفي

عندما يستمر الوالدان في الانتقاد، يجد الطفل نفسه مضطرًا إلى اتخاذ خطوة نحو التمرد "بشكل واعٍ أو غير واعٍ" للتخلص من قيود التوجيهات المتكررة. قد يقرر أن يقول لنفسه: "طالما أنني مرفوض مهما فعلت، فلن أضع جهدًا بعد الآن"، أو "سأظهر لهم الجانب الذي يستحقونه". هنا، يصبح التمرد أكثر من مجرد رفض للأوامر، بل تعبيرًا عن جرح داخلي لم يُعطَ حقه من الاهتمام.

ولأن الأطفال لا يمتلكون أدوات التعبير العاطفي الناضجة، فإن تصرفاتهم "العدوانية" غالبًا ما تخفي خلفها ألمًا نفسيًا غير مرئي: التهرب من المدرسة، صداقة أصدقاء ذوي سلوك منحرف، التجريب المبكر للممنوعات، أو حتى الانخراط في سلوكيات خطرة. جميعها محاولات غير مباشرة للتعبير عن معاناتهم: "أنا موجوع".

حين يكون التوجيه عبئًا نفسيًا

الكثير من الآباء لا يقصدون إيذاء أطفالهم بالانتقادات، بل يعتقدون أنهم يفعلون ذلك بدافع الحرص، معتقدين أن هذا الأسلوب سيمنع أطفالهم من تكرار أخطائهم أو سيساهم في تشكيلهم بطريقة "أفضل". لكن الواقع يثبت عكس ذلك.

التربية الصارمة والمفرطة في الرقابة غالبًا ما تؤدي إلى نشوء أطفال يعانون من القلق المزمن، وانعدام الثقة بالنفس، والعزلة الاجتماعية، أو حتى السلوك العدواني. كما تؤدي إلى تآكل العلاقة العاطفية بين الطفل ووالديه، حيث يصبح المنزل مكانًا للضغط بدلًا من أن يكون ملاذًا للراحة.

ما الذي يحتاجه الطفل فعليًا؟

يحتاج الطفل إلى القبول، لا إلى الكمال. يحتاج إلى من يرى نجاحاته قبل أن يشير إلى أخطائه. يحتاج إلى علاقة تمنحه الإحساس بالقيمة، وتحتوي فوضاه، وتفصل بين الخطأ كفعل وهويته كإنسان.

عندما يشعر الطفل أن الخطأ لا يهدد محبة والديه له، يصبح أكثر قدرة على تطوير سلوكيات إيجابية وتحمل المسؤولية عن أفعاله دون خوف أو تمرد.

دور الأهل في كسر الحلقة السامة

عندما تتكرر دائرة "انتقاد، تمرد، عقاب، تمرد أكبر"، فإن الجميع يخسر. يشعر الوالدان بالإحباط، ويفقد الطفل الشعور بالانتماء. لكسر هذه الحلقة، يجب على الأهل أن يدركوا أن الانتقاد المتواصل ليس وسيلة تربوية فعالة، بل هو خطر صامت يهدد الصحة النفسية لأطفالهم على المدى البعيد.

من الضروري أيضًا إعادة بناء لغة التواصل داخل الأسرة، وتحويلها من التوجيه السلطوي إلى الحوار الهادئ، ومن التركيز على العيوب إلى تعزيز نقاط القوة، ومن ردود الفعل الغاضبة إلى التفهم والصبر.

إن تمرد الأطفال ليس دائمًا علامة على سوء التربية، بل يمكن أن يكون نتيجة لتربية تُفرط في التوجيه والانتقاد حتى تختنق مشاعر الطفل. لكي نساعد أبناءنا على النمو بوعي وثقة، يجب أن نتعلم كيف نحتويهم دون أن نكسرهم، ونعلمهم كيف يربون أنفسهم دون أن نؤذيهم عاطفيًا، حتى لو ظننا أن ما نفعله هو لمصلحتهم.