كيفية تقديم النصيحة بطرق إنسانية

في عالم يتسم بتقدير الحريّة الفردية واحترام المساحة الشخصية، قد يبدو تقديم النصيحة التي لا يطلبها الشخص كتصرف غير مرحب به. ولكن هناك لحظات نلاحظ فيها أن من نحبهم يسلكون طرقًا قد تكون محفوفة بالمخاطر، أو يكررون أخطاء قد تؤثر عليهم سلبًا في المستقبل. فهل نلتزم الصمت؟ أم يجب علينا كسر حاجز الصمت وإبداء الرأي حتى في غياب دعوة صريحة؟
الإجابة على هذا السؤال ليست بسيطة. فالتدخل في حياة الآخرين، حتى بدافع نية حسنة، يتطلب وعيًا كبيرًا، ولباقة، وتقديرًا لتوقيت الكلام ومضمونه.
خطوات لتقديم النصيحة لصديقك
إليك بعض النقاط التي يجب أن تفكر فيها قبل أن تقرر ما إذا كان يجب عليك قول ما قد يكون غير مريح.
1. عندما يكون الصمت تواطؤًا
بعض القرارات التي يتخذها أصدقاؤنا، مثل الانخراط في علاقات غير صحية، أو التخلي عن فرص مهمة، أو حتى اعتماد سلوكيات قد تضر بهم، لا يمكن تجاهلها ببساطة. في مثل هذه الحالات، قد يصبح الصمت نوعًا من التخلي غير المباشر. فالصداقة الحقيقية لا تعني فقط تقديم الدعم، بل تتضمن أيضًا تنبيه من نحبهم عندما يفوتهم ما نراه بوضوح.
لكن الأهم من قول الحقيقة هو كيفية قولها. فالفارق بين النصيحة الرحيمة والتدخل المؤذي غالبًا ما يكون في النبرة، والنية، واحترام الطرف الآخر.
2. لا تفترض أنك تعرف أكثر
حتى لو كنت ترى الأمور بوضوح، تذكر أن لكل شخص روايته وظروفه المعقدة التي قد لا تكون واضحة من الخارج. لذلك، جهد في تجنب تقديم النصيحة وكأنك تمتلك الإجابة النهائية. بدلاً من ذلك، استخدم أسئلة تشجع على التفكير، أو شارك وجهة نظرك بصيغة "هل فكرت في كذا؟" أو "لقد لاحظت كذا وأحببت مشاركتك لأني مهتم".
محمد الفاتح مترجم الحلقة 26
3. تقبل الرفض واحترام المسافة
ليس كل شخص تتوجه إليه بالنصيحة سيتقبلها. بعض الأصدقاء قد يشعرون بالإحراج، أو الدفاعية، أو حتى الغضب. وهذا طبيعي. تقديم النصيحة لا يعني فرضها. المهم أن يكون دافعك صادقًا، وأن تترك المجال للآخرين ليقرروا كيف يتعاملون مع ما سمعوه. أحيانًا تُرفض النصيحة في لحظتها، لكنها تظل في البال وقد تؤتي ثمارها لاحقًا.
4. اختر الوقت والمكان بعناية
لا تتحدث في لحظة انفعال، ولا أمام الآخرين، ولا في منتصف مناسبة اجتماعية. المواضيع الحساسة تحتاج إلى خصوصية، وهدوء، ومناخ من الثقة. من الأفضل أن تبدأ المحادثة من موقع الاهتمام وليس الانتقاد، ومن موقف التعاطف وليس الحكم.
5. الصراحة ليست قسوة
هناك خيط رفيع بين الصراحة والوقاحة. وبين أن تكون صديقًا صادقًا أو شخصًا يتدخل دون اعتبار. حاول أن توازن بين جرأتك في التعبير ورهافة مشاعر الطرف الآخر. يمكنك قول الحقيقة دون أن تجرح، ودون أن تشعر الآخر بأنه موضع تقييم أو تقويم.
6. لا تنسَ أنك أيضًا بحاجة إلى من يوجهك
أحيانًا نُبدي آراءنا بدافع الحرص، دون أن نلاحظ أننا أيضًا بحاجة لمن ينبهنا لما قد لا نراه في أنفسنا. الصداقة الحقيقية تقوم على التبادل، لا على التفوق. وعندما تقدم نصيحة، كن منفتحًا لتقبل نصيحة في المقابل.
التدخل في حياة الأصدقاء قرار حسّاس. لكن هناك مواقف يتجاوز فيها الصمت حدود اللياقة، ويصبح شكلًا من أشكال الإهمال. إذا كنت تحب شخصًا حقًا، فلا تتردد في قول ما يصعب قوله، بشرط أن يكون دافعك هو المحبة، وأسلوبك هو اللطف، ونيتك هي المساندة لا السيطرة.
قد لا تُقدَّر كلماتك في حينها، لكنها قد تكون المفتاح لتغيير طال انتظاره.