كيف تحمي طفلك من مقارنات اليوتيوب؟

في عالمنا المعاصر، لم يعد الطفل يكتفي بمراقبة محيطه المباشر لتكوين هويته وصورته الذاتية. فقد أصبحت منصات مثل "يوتيوب" نافذة يومية مفتوحة على عالم يمتلئ بأطفال آخرين، يظهرون وكأنهم يتمتعون بذكاء غير عادي، وشهرة واسعة، وجمال يجذب الأنظار، أو حتى حظوظ استثنائية.
من أطفال يقومون بعرض ألعابهم الجديدة في غرف فاخرة، إلى آخرين يقدمون محتوى تعليمي متقدم أو يؤدون عروضاً فنية بمستويات احترافية، يجد الكثير من الأطفال أنفسهم في دوامة من المقارنات، حيث يقارنون حياتهم البسيطة بمشاهد مصقولة قد لا تعكس حقيقة واقع أقرانهم.
التحدي الحقيقي: كيف نحمي أطفالنا؟
هنا يبدأ التحدي الحقيقي أمام الأهل: كيف يمكننا احتواء هذا الشعور بالمقارنة وتحويله إلى فرصة للوعي والنمو، بدلاً من أن يصبح عبئاً على نفسية الطفل؟
1- الإنصات قبل التصحيح
عندما يعبر الطفل عن مشاعره تجاه ما يشاهده، سواء كان ذلك إعجاباً مفرطاً أو إحباطاً من ذاته، من المهم أن نبدأ بالاستماع بعناية دون تقليل من مشاعره. فالشعور بالمقارنة هو شعور حقيقي، حتى لو بدا لنا غير منطقي. جمل مثل "لكن هؤلاء فقط على الإنترنت!" لا تساعد في معالجة المشكلة، بل تترك الطفل مع شعوره بالاختلاف دون أن نفهمه.
محمد الفاتح مترجم الحلقة 26
2- تمييز المحتوى المنتَج عن الواقع
من الضروري أن نفهم الطفل أن ما يراه على "يوتيوب" هو مادة تم إنتاجها بعناية، وغالباً ما يكون خلفها فريق كامل من المصورين والمحررين، بل وأحياناً رعاية تجارية. يمكننا أن نشاهد بعض المقاطع معاً، ونسأله بلطف: "هل تعتقد أن هذا الطفل دائماً سعيد بهذه الطريقة؟"، أو "ما رأيك في عدد المحاولات التي احتاجها ليخرج هذا الفيديو بهذا الشكل؟"
3- تسليط الضوء على القدرات الفردية
بدلاً من التركيز على ما يمتلكه الآخرون، يجب أن نشجع الطفل على اكتشاف مواهبه الخاصة، حتى لو كانت بسيطة في نظره. ليس الهدف من ذلك أن يصبح "يوتيوبر" أو أن ينافس من يشاهدهم، بل أن يرى قيمة ما يستطيع فعله بنفسه، مهما كانت تلك الأمور بسيطة أو مختلفة.
4- إرساء مفهوم القناعة والواقعية
من المهم تعزيز تقدير الطفل لما لديه، سواء في بيئته أو أسرته أو شخصيته. يمكننا الحديث عن الامتنان بشكل غير موعظ، مثلاً من خلال الربط بين الأمور الصغيرة التي يمتلكها وبين السعادة الحقيقية التي يعيشها.
5- الحد من التعرّض غير الواعي
لا يتعلق الأمر بمنع الطفل من استخدام "يوتيوب"، بل بتنظيم استخدامه بطريقة صحية. نساعده على اختيار القنوات التي تقدم محتوى واقعياً وتعليمياً، ونمنحه فترات راحة ذهنية بعيداً عن الشاشة ليبني تصوراً أكثر توازناً عن نفسه والعالم.
6- كوني أنت القدوة
عندما نعبر نحن أيضاً عن مشاعر مقارنة أو تذمر من الحياة عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، يلتقط الطفل الرسالة بأن المقارنة أمر طبيعي وضروري. ولكن عندما نظهر رضا حقيقياً عن تفاصيل الحياة اليومية، فإننا نزرع فيه شعوراً بالأمان الداخلي.
الطفل لا يحتاج فقط إلى أن نثنيه عن الإعجاب بالآخرين، بل يجب أن نعلمه كيف يرى نفسه بعيون عادلة. "يوتيوب" هو جزء من حياته، ولكنه لا يجب أن يكون المعيار الذي يقيس به قيمته الذاتية. دورنا كأهل هو أن نكون مرآته الحقيقية، التي تعكس له قيمته كما هي، وليس كما يراها عبر شاشة مصقولة.