كرم مطاوع: رحلة فنان خالدة في الذاكرة
في سطور تاريخ الفن المصري، هناك أسماء تتألق في الذاكرة كرموز للإبداع المتجدد والتميز، ومن أبرز تلك الأسماء الفنان الراحل كرم مطاوع. لقد أضاء خشبات المسرح بأعماله الفريدة، وأثرى السينما والتلفزيون بموهبته الاستثنائية التي لا تُنسى.
بين التمرد على المألوف والتجريب الجريء، خط مطاوع مسيرته الفنية الاستثنائية التي جعلته علامة فارقة في تاريخ الثقافة العربية، حيث كان دائم البحث عن الجديد والمبتكر.
رحلة لاكشمي 5 الحلقة 18
النشأة والبدايات الفنية
وُلد كرم مطاوع في 7 ديسمبر 1933 بمدينة دسوق، بمحافظة كفر الشيخ، في بيئة تنبض بالثقافة والتراث. كان محاطًا بعالم من الفنون منذ صغره، مما ساهم في تشكيل رؤيته الفنية.
بدأ مشواره الأكاديمي بدراسة الحقوق في جامعة عين شمس، لكنه سرعان ما أدرك أن شغفه الحقيقي يكمن في الفن، فتخلى عن هذا المسار ليحلق في عالم الإبداع.
التحق بمعهد الفنون المسرحية، وتخرج في عام 1956، ثم واصل رحلته التعليمية في أكاديمية روما للفنون الدرامية. هناك، صقل تجربته من خلال الدراسة والخبرة، وجاب العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وإنجلترا وألمانيا.
ثورة على المسرح المصري
عاد كرم مطاوع إلى مصر في عام 1964، ليبدأ رحلة جديدة في المسرح، حيث عكست أعماله رؤيته الفنية المتفردة والمبتكرة.
كانت مسرحية "الفرافير" هي أول أعماله الإبداعية التي قدمت رؤية تجريبية للمسرح المصري، تلتها أعمال بارزة مثل "ياسين وبهية" و"الفتى مهران". استطاع مطاوع المزج بين التراث المصري والحداثة الغربية، ليؤسس مدرسة مسرحية خاصة به، مما جعله رمزًا للتجديد والابتكار في عالم المسرح.
السينما.. حضور محدود لكنه لافت
على الرغم من عشقه العميق للمسرح، لم تغفل السينما عن استغلال موهبته. بدأ مطاوع مشواره السينمائي بفيلم "سيد درويش" في عام 1966، حيث أبدع في تجسيد شخصية الفنان الكبير. وتبعه فيلم "إضراب الشحاتين".
رغم انقطاعه الطويل عن السينما، عاد في التسعينيات بفيلم "المنسي"، الذي كان آخر أعماله السينمائية، ليظل حاضرًا في ذاكرة جمهوره.
إرث دولي في الجزائر
في سبعينيات القرن الماضي، انتقل كرم مطاوع إلى الجزائر ليعمل أستاذًا في معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان. كانت تلك الفترة من حياته حافلة بالعطاء والإبداع.
أسهم هناك في تطوير المسرح الجزائري، وخرّج أجيالًا من الفنانين الموهوبين، تاركًا بصمة لا تُنسى في الساحة الفنية العربية.
محطات شخصية مميزة
حياة كرم مطاوع الشخصية كانت مليئة بالمحطات اللافتة، فقد تزوج ثلاث مرات، كانت الأولى من الإيطالية مارجريت التي أنجب منها التوأم عادل وكريم. والثانية كانت من الفنانة سهير المرشدي، وأنجب منها الفنانة حنان مطاوع، أما زيجته الأخيرة، فكانت من الإعلامية ماجدة عاصم.
بين حياته الشخصية والمهنية، ظل مطاوع نموذجًا للفنان المتوازن الذي نجح في المزج بين العطاء الفني والتجارب الإنسانية.
إرث خالد وأعمال لا تُنسى
ترك كرم مطاوع وراءه إرثًا غنيًا من الأعمال المسرحية مثل "الحسين ثائرًا" و"إيزيس"، بالإضافة إلى مسلسلات تلفزيونية بارزة مثل "أرابيسك" و"الصمت".
حصل على العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الفنون من الدرجة الأولى من الرئيس جمال عبد الناصر، وتكريمه في مهرجان قرطاج، مما يعكس مكانته الكبيرة في عالم الفن.
كرم مطاوع.. رحيل لكنه بلا غياب
في 9 ديسمبر 1996، غاب كرم مطاوع عن عالمنا عن عمر يناهز 63 عامًا. ولكن أعماله وإبداعه سيظلان خالدين في ذاكرة الفن المصري والعربي، وسيظلان مصدر إلهام لكل من يسعى لتجديد وتطوير المسرح والسينما.