تعلّم كيفية التعامل مع الأخطاء برحمة

في خضم حياتنا اليومية، نواجه العديد من المواقف التي قد تؤدي إلى ارتكاب أخطاء، بعضها يكاد يكون غير ملحوظ، بينما قد تكون الأخرى مزعجة إلى حد يدفعنا لتوبيخ أنفسنا بشدة. ولكن، لماذا نختار غالبًا معاقبة أنفسنا بدلاً من التعلم من تلك التجارب والمضي قدمًا؟
هذا التساؤل يُناقش في علم النفس، حيث يوضح الدكتور جونيس ويب، الخبير المتخصص في الإهمال العاطفي في الطفولة، أن الأشخاص الذين لم يتلقوا التدريب الكافي على كيفية التعامل مع مشاعرهم منذ الصغر، يميلون إلى أن يكونوا أكثر قسوة على أنفسهم عند ارتكاب الأخطاء.
لماذا نجلد ذاتنا؟

تظهر الدراسات النفسية أن بعض الأفراد يُبرمجون بشكل لا شعوري على تحميل أنفسهم اللوم عند حدوث أي زلة، حتى وإن كانت طبيعية تمامًا. ذلك أن الطفولة التي تفتقر إلى الاستجابة العاطفية المناسبة من الوالدين قد تجعل الشخص غير قادر على فهم مشاعره والتعامل معها بطريقة صحية.
وعندما تحدث الأخطاء، تتفاقم المشاعر غير المعالجة، ليجد الشخص نفسه غارقًا في دوامة تأنيب الذات، وهذا ما يجعل من الضروري إعادة التفكير في كيفية تعاملنا مع الأخطاء.
كيف تتحرر من فخ جلد الذات؟
لحسن الحظ، هناك طرق أكثر صحة وإيجابية للتعامل مع الأخطاء، وهي ما يُعرف بمفهوم "المسؤولية الرحيمة"، الذي وضعته الدكتورة جونيس ويب. يعتمد هذا المفهوم على ثلاث خطوات رئيسة:
1. الاعتراف بالخطأ دون تهويل
عندما تقع في خطأ، قُل لنفسك: "لقد أخطأت، وهذا طبيعي. سأتحمل المسؤولية وأتعلم منه". فقبول الخطأ هو أول خطوة للخروج من دائرة اللوم الذاتي القاسي.
2. التعامل مع النفس بلطف وفهم الأسباب
بدلاً من جلد ذاتك، اسأل نفسك: "ما الذي أدى إلى هذا الخطأ؟ ما العوامل التي أسهمت فيه؟ هل كان هناك شيء خارج عن إرادتي؟" هذا التحليل يساعدك على رؤية الأمور بموضوعية والتخفيف من الشعور بالذنب.
3. استخلاص الدروس والمضي قدمًا
الدرس الحقيقي من الأخطاء لا يكمن في التوبيخ، بل في التعلم. اسأل نفسك: "ماذا يمكنني أن أفعل بشكل مختلف في المستقبل؟" بهذه الطريقة، يصبح الخطأ فرصة للنمو، وليس سببًا للعقاب.
كيف يؤثر في الحياة تغيير النهج؟
تخيل شخصًا ما، اكتشف أنه ارتكب خطأ في العمل؛ ما أدى إلى تأخير المشروع يومين. في البداية، سيطر عليه الذعر والخجل من زملائه. لكن عندما قرر تطبيق مبدأ المسؤولية الرحيمة، أدرك أن سماعه للموسيقى أثناء العمل قد قلل من تركيزه، وأن طبيعة المشروع كانت جديدة عليه، مما جعله أكثر عرضة للأخطاء.
بدلاً من أن يعاقب نفسه، قرر التوقف عن الاستماع للموسيقى أثناء المهام المعقدة، وعوض الوقت الضائع عبر تحسين مهاراته. والنتيجة؟ تقدم في عمله، دون أن يؤثر الخطأ في ثقته بنفسه.
رڨوج 2 الحلقة 2
في نهاية المطاف، تعلم كيفية التعامل مع الأخطاء ليس مجرد وسيلة للتسامح مع الذات، بل هو مهارة حياتية أساسية تعزز الذكاء العاطفي والقدرة على التطور. فإذا كنت تجد نفسك قاسيًا على ذاتك، فربما لم تتعلم هذه المهارة في طفولتك، لكنها ليست متأخرة أبدًا. اليوم، لديك الفرصة لاكتسابها، وإحداث فرق حقيقي في حياتك.