-

لحظات الأمومة: الواقع والخيبة

لحظات الأمومة: الواقع والخيبة
(اخر تعديل 2025-07-16 09:19:33 )
بواسطة

لا يمكن لأحد أن يُعدّ الأمهات تمامًا للحظة التي يشعرن فيها بأن "هذا ليس ما تخيّلته". تأتي الأمومة عادةً محملةً بالوعود الوردية: مشاعر حب غامرة، لحظات حنان بلا نهاية، وصور مثالية لطفل نائم وأم مبتسمة. ولكن، ما لا يُقال كثيرًا هو أن بعض الأمهات، حتى الأكثر حبًا لأطفالهن، قد يشعرن بالارتباك، الخيبة، بل وقد يشتاقن مؤلمًا إلى حياتهن السابقة.

هذه المشاعر، رغم شيوعها، نادرًا ما تجد مساحة للحديث عنها. فالاعتراف بأنك لا تستمتعين حاليًا بالأمومة، أو بأنك تشعرين بأنك فقدت شيئًا من نفسك في هذه الرحلة، يبدو وكأنه خيانة غير معلنة للأمومة نفسها. فهل يحق لكِ الاعتراف بذلك؟ وكيف تتعاملين مع هذه الخيبة التي لا يُسمح لك حتى بتسميتها؟

التوقعات العالية للأمومة

توقعات الأمومة

قبل أن تأتي الطفولة، تأتي القصص. تقرئين عن "نعمة الأمومة"، وتشاهدين صورًا على وسائل التواصل الاجتماعي لأمهات يبدين دائمًا بكامل أناقتهن، في منازل مرتبة، يضحكن مع أطفال هادئين. تنسجين توقعات حول تجربة ستمنحك الامتلاء، المعنى، وربما بعض السعادة الخالصة.

لكن ما لا يخبرونك به هو أن الطفل لا يأتي فقط بأصوات الضحك، بل أيضًا بصراخ متواصل، ليالٍ بلا نوم، وشعور مستمر بعدم الكفاءة. هناك روتين مرهق، عزلة غير متوقعة، وضغط داخلي لتحمل كل شيء دون أن تنهاري. وعندما تصطدم هذه الصورة المثالية بالواقع، تولد الخيبة.

الشعور بالذنب: الرفيق الصامت

ما يجعل الخيبة أكثر ألمًا هو الشعور بالذنب الذي يرافقها.

  • كيف أجرؤ على الشعور بهذه الطريقة وأنا أملك ما تحلم به نساء كثيرات؟
  • هل أنا أم سيئة؟ لماذا لا أستمتع بدوري كما يجب؟

هذا الصراع بين ما تشعرين به وما يُفترض أن تشعري به، يعمق الهوة بينك وبين ذاتك. يصبح الحديث عن الصعوبات شكلًا من الضعف، والتعبير عن الضيق علامة على أنك لستِ جديرة بهذا الدور، مع أن العكس تمامًا هو الصحيح.

كسر الصمت الداخلي: أول خطوة نحو التوازن

من المهم أن ندرك أن الخيبة ليست نقيض الحب. بل قد تكون أحيانًا أحد تعبيراته. أن تشعري بالإرهاق، الحزن، أو الملل، لا يعني أنك لا تحبين طفلك، بل أنك بشرية تمرين بتجربة إنسانية معقدة للغاية.

الخطوة الأولى نحو تخفيف وطأة هذه المشاعر هي التصريح بها. بينك وبين نفسك أولًا، ثم في مساحة آمنة مع من يمكنك الوثوق بهم: صديقة، أخصائية، أو حتى دفتر مذكراتك.

عندما يُسمح لك بالكلام، يتراجع الضغط، وتستعيدين جزءًا من وضوحك الداخلي.

إعادة تعريف الأمومة: لستِ مطالبة بأن تكوني كاملة

إحدى أكبر الضغوط التي تعيشها الأمهات هي الصورة المثالية. الأم الصبورة، الأنيقة، الحاضرة، والمبتسمة دائمًا. لكن الحقيقة أن الأمومة ليست بطولة أو عرضًا للجمهور.

هي علاقة تنمو، يومًا بيوم، بكل تناقضاتها، وفيها أيام جيدة وأيام لا تُطاق. يمكنك إعادة تعريف "النجاح كأم" عبر سؤال بسيط:

  • هل أحب طفلي؟ هل أسعى لحمايته ورعايته؟

إن كانت الإجابة نعم، فأنت تقومين بالكثير، حتى إن لم يكن ذلك كما توقعتِ.
فندق الاحلام الحلقة 31

السماح لنفسك بأن تكوني أيضًا.. أنتِ

الأمومة لا تُلغي المرأة التي كنتِ عليها. بل تحتاج منك أن تعيدي ترتيب المساحة بينها وبين دورك الجديد. امنحي نفسك دقائق في اليوم دون دور. دون مهمة. دون واجب. فقط لتتذكري من تكونين.

اقرئي، اكتبي، اصمتي، اخرجي... أي شيء يُعيد لك إحساسك بذاتك. أنت لا تهربين من الأمومة، بل تحمين قلبك لتستمري فيها دون أن تفرغك بالكامل.

الخيبة في الأمومة ليست علامة على الفشل، بل أحيانًا دليل على أنك كنتِ تتوقعين الكثير من نفسك ومن هذه الرحلة. لا تخافي من مشاعرك، ولا تحاولي قمعها لتبدو الصورة أجمل. تقبليها، افهميها، وتواصلي معها بصدق... لأن الأم التي تسمح لنفسها بأن تكون صادقة، تكون أكثر قربًا، أكثر حضورًا، وأكثر إنسانية.