-

اكتئاب ما بعد الولادة: رحلة غير مرئية

اكتئاب ما بعد الولادة: رحلة غير مرئية
(اخر تعديل 2025-07-05 09:11:24 )
بواسطة

عندما تضع المرأة طفلها، تنطلق التهاني وتتوالى عبارات الفرح والاحتفال، وكأنها قد خطت خطوة إلى عالم جديد من السعادة. الجميع ينظر إليها بفخر، ويصفها بأنها "أصبحت أماً"، وكأنها دخلت عالماً من البهجة المطلقة. ولكن خلف هذه الصورة الوردية، قد تخفي بعض الأمهات عاصفة من المشاعر تتجاوز ما يمكن أن تراه العين أو تسمعه الأذن.

فالأمر ليس مجرد تعب جسدي، ولا هو تقلب مزاجي عابر، بل قد يكون اكتئاب ما بعد الولادة في أعمق صوره، تلك النسخة التي تخفى عن الأنظار وتبقى صامتة.

لماذا يُعتبر هذا النوع من الاكتئاب صامتاً؟

في العديد من الحالات، قد لا تظهر على الأم علامات الانهيار أو البكاء المستمر، بل قد تبدو قوية، نشيطة، ومُنجزة. ولكن في الداخل، تخوض صراعاً لا يراه أحد. قد تحتفظ بهذا الشعور لنفسها، خوفاً من أن ينظر إليها الآخرون كأم غير ممتنة أو كأم سيئة.

علامات اكتئاب ما بعد الولادة الصامتة

بحسب أطباء النفس، يمكن أن تتجلى أعراض هذا النوع من الاكتئاب بطرق غير تقليدية. إليك أبرز علاماته:

1. الانفصال العاطفي عن الطفل

قد تعتني الأم بطفلها بشكل ممتاز، لكنها لا تشعر بتواصل حقيقي معه. لا تجد لوجوده صدى في قلبها، وكأنها تؤدي مهاماً ميكانيكية دون رابط داخلي.

2. الإرهاق الدائم رغم النوم الكافي

حتى مع الراحة الجسدية، قد تشعر بالإرهاق وكأنها تحمل جبلاً على كتفيها. لا شيء ينعشها، ولا يعود لها النشاط مهما حاولت.

3. القلق المبالغ فيه من التفاصيل الصغيرة

قد تعيش في حالة استنفار دائم، تخاف من كل شيء: بكاء الطفل، درجة حرارته، أو حتى ردود فعل الآخرين على أسلوب تربيتها. هذا القلق لا يهدأ، ويتحول إلى صوت داخلي متوتر.
آسر الحلقة 67

4. إحساس غريب بالذنب... طوال الوقت

تشعر بأنها لا تقوم بعملها "كما يجب"، مهما فعلت. تلوم نفسها على كل صغيرة وكبيرة، وتشعر بأنها تُقصّر بحق طفلها، زوجها، وحتى نفسها.

5. الانشغال المفرط أو الانعزال المفاجئ

إما تنهمك بشكل غير طبيعي في المهام اليومية حتى تنسى نفسها، أو تنسحب كلياً من محيطها وتفقد الرغبة في التفاعل مع أحد. وفي كلا الحالتين، هي تهرب من مواجهة المشاعر التي لا تفهمها.

لماذا لا تطلب بعض الأمهات المساعدة؟

تتعدد الأسباب التي تدفع بعض الأمهات إلى الصمت، مثل الخوف من الحكم أو نظرة المجتمع، أو حتى عدم إدراكهن أن ما يعشنه له اسم علمي وأن هناك علاجاً لما يشعرن به. لذا، من المهم أن ندرك أن طلب المساعدة هو خطوة شجاعة وليست دليلاً على الضعف.

ما الذي يمكن فعله؟

  • الاعتراف بالمشاعر دون خجل: من الطبيعي أن تكون المشاعر معقدة بعد الولادة. لا عيب في الاعتراف بالتعب، أو الضياع، أو حتى عدم الشعور الفوري بالحب تجاه الطفل.
  • طلب الدعم المهني: التحدث مع طبيبة نفسية أو اختصاصية في الصحة النفسية بعد الولادة هو خطوة مهمة وأساسية.
  • محبة الذات والرعاية الشخصية: الاهتمام بنفسك نفسياً وجسدياً لا يقل أهمية عن العناية بالطفل.
  • محاربة العزلة: حتى الحديث مع صديقة تثق بها قد يكون بداية الطريق نحو الشفاء.

اكتئاب ما بعد الولادة ليس كالاكتئاب الذي نراه في الأفلام، ولا يُرى دائماً بالعين المجردة. أحياناً، قد يختبئ خلف الأم الأكثر التزاماً أو الأكثر ابتسامة. لذا، من المهم أن نكون مستمعين جيدين، وأن نقدم مساحة آمنة للتعبير، فهذا قد يكون طوق النجاة الذي تحتاجه.

لأن الأمومة ليست فقط احتضان طفل، بل أيضاً احتضانٌ للذات.