رفيق سبيعي: فنان الشعب الذي لا يُنسى
في مثل هذا اليوم، 2017، غادرنا الفنان السوري العظيم رفيق سبيعي عن عمر يناهز 87 عامًا. ترك خلفه إرثًا فنيًا عظيمًا يمتد لعقود من الزمن، محققًا إنجازات خالدة في مسيرته. شيع في جنازة شعبية مهيبة، ودُفن في مقبرة باب الصغير في دمشق، ليبقى صوته وأعماله شاهداً على عظمة رحلته الفنية التي حولت التحديات إلى إنجازات تظل عالقة في ذاكرة الفن العربي.
رفيق سبيعي.. من طفل عاشق للفن إلى فنان الشعب
في أزقة حي البزورية بدمشق، بدأ حلم طفل عاشق للفن في النشوء، متحديًا تقاليد مجتمع لم يكن يُقدّر الفن. رفيق سبيعي، المعروف بلقب "فنان الشعب"، استطاع تحويل شغفه إلى مسيرة فنية خالدة، جعلته أحد أعمدة الدراما السورية. ترك بصمته في مجالات المسرح والإذاعة والتلفزيون، ليصبح رمزًا وطنيًا وإبداعيًا يتجاوز حدود الزمان والمكان.
مكانك في القلب 8 الحلقة 55
نشأة رفيق سبيعي وبزوغ الموهبة
وُلِد رفيق سبيعي في دمشق في 9 فبراير 1930، ليعيش طفولة مليئة بالشغف الفني والموسيقي. كان يحضر المولد النبوي مع شقيقه ويتسلل إلى حلقات الإنشاد، حيث كان يشارك في أداء التواشيح. في منزله، كان يمزج بين الدراسة وسماع أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب. حتى في جلسات النساء في حوش الدار، كان يغني لهن أغاني الزمن الجميل، ليصبح صوته محط إعجاب الجميع.
رغم هذه الموهبة المبكرة، واجه رفيق سبيعي رفضًا من أسرته والمجتمع، اللذين كانا يعتبران الفن عيبًا اجتماعيًا. اضطر إلى مغادرة منزله والنوم في الخان أو عند أحد الجيران، ولكنه ظل متمسكًا بحلمه.
بدايات رفيق سبيعي العملية والصراع مع التقاليد
بعد انتهاء المرحلة الابتدائية، عمل رفيق كخياط لمساعدة والده، لكنه لم يجد شغفه في هذه المهنة. انطلق إلى نوادي الكشافة، حيث بدأت مواهبه تتألق في الغناء والعزف والتمثيل. ومع نهاية الأربعينيات، بدأ مسيرته الفنية على مسارح دمشق، مقدّمًا مقاطع كوميدية ارتجالية.
انضم إلى فرق مسرحية متعددة، مثل "علي العريس" و"سعد الدين بقدونس"، وبدأ بتقديم مسرحيات تجمع بين التمثيل والغناء، مثل "بالمقلوب" و"صابر أفندي". كما ساهم في تأسيس فرق مسرحية سورية بعد الاستقلال عام 1946.
ميلاد شخصية "أبو صياح"
محطة التحول الكبرى في مسيرة رفيق سبيعي كانت في أواخر الخمسينيات، حين ظهر لأول مرة بشخصية "أبو صياح" مصادفة، عندما استُدعي ليحل محل زميله في دور العتال بإحدى المسرحيات. بفضل أدائه العفوي واستحضاره لروح الحارة الدمشقية، خطف الأنظار، وأصبحت "أبو صياح" الشخصية الأكثر شهرة في مسيرته، لترافقه لأعوام طويلة.
ومع تأسيس التلفزيون السوري، بدأت انطلاقة رفيق سبيعي مع أعمال مميزة مثل "مطعم السعادة" و"مقالب غوار"، إلى جانب دريد لحام ونهاد قلعي. شارك في أعمال درامية بارزة، منها "ليالي الصالحية" و"أيام شامية" و"رقصة الحبارى"، لترسخ مكانته كأحد أعمدة الدراما السورية.
إلى جانب الدراما، تألق رفيق سبيعي في الإذاعة منذ عام 1954، حيث أخرج العديد من البرامج والمسلسلات الإذاعية. واستمر في تقديم برنامجه الأسبوعي "حكواتي الفن" لمدة 12 عامًا، حيث قدم للأجيال الجديدة أساطين الطرب العربي.