-

سعد الفرج: رمز المسرح السياسي في الخليج

سعد الفرج: رمز المسرح السياسي في الخليج
(اخر تعديل 2025-01-10 23:11:30 )
بواسطة

لطالما كان المسرح السياسي منصة هامة للتعبير عن قضايا وهموم الشعوب. وفي الخليج العربي، يبرز الفنان الكويتي سعد الفرج كواحد من أبرز رواد هذا النوع من المسرح. تمتد مسيرته الفنية لأكثر من نصف قرن، حاملةً في طياتها محطات مفصلية تعكس التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها الكويت والخليج.

النشأة وبدايات الحلم

سعد الفرج

وُلد سعد الفرج عام 1941 في قرية الفنطاس بالكويت، حيث نشأ في بيئة بسيطة ومتواضعة. يتذكر سعد طفولته قائلاً: "كنت طفلاً في قرية هادئة، لكنني كنت أشعر أن العالم أكبر مما أراه. كان حلمي الخروج إلى المدينة". كانت زياراته للمدينة أثناء الأعياد فقط، وكان يتمنى أن يعيش الحياة بين الأضواء والسيارات.

انتقل سعد إلى مدينة الكويت، حيث عمل كموظف في وزارة الأشغال، والتحق بالثانوية التجارية المسائية، وفي الوقت ذاته انضم إلى "الكشاف الوطني". بدأ في المسرح كمساعد في تنظيم الجمهور وبيع التذاكر، مما جعله يشعر بشغفه الحقيقي تجاه المسرح.

لقاء زكي طليمات والانطلاقة المسرحية

في عام 1961، شكلت زيارة المسرحي المصري زكي طليمات إلى الكويت نقطة تحول هامة في مسيرة سعد. يتذكر سعد ذلك اللقاء قائلاً: "تقدم نحو 300 شاب وفتاة للاختبار أمام طليمات، وعندما قدمني، طلب مني إلقاء بيت شعر، وأعجبت استجابتي". كانت تلك اللحظة بداية مشواره في المسرح الجاد، حيث تعلم على يدي زكي طليمات وتعاون مع رموز المسرح الكويتي مثل حمد الرجيب.

من بائع تذاكر إلى كاتب وممثل بارز

بدأ سعد الفرج مسيرته الفنية بمسرحية "أنا ماني سهل" عام 1965، التي كتبها بمناسبة أول عيد وطني للكويت. كانت المسرحية كوميدية من فصل واحد، وأخرجها عادل صادق، مما أظهر موهبته ورؤيته الفريدة.

في منتصف السبعينيات، حصل سعد على شهادة البكالوريوس في الإخراج والإنتاج التلفزيوني من الولايات المتحدة، وعاد ليعمل رئيس قسم في تلفزيون الكويت حتى عام 1984، قبل أن يصبح مستشارًا فنيًا.

رؤية نقدية وتوجه سياسي جريء

تميز سعد الفرج برؤيته النقدية العميقة، حيث لم يكن مجرد فنان يقدم أدواراً، بل كان ناقداً اجتماعياً وسياسياً عبر أعماله. في مسرحية "الكويت سنة 2000"، تخيل أن النفط سينضب بحلول العام 2000، وأن الكويتيين سيعودون للأعمال التقليدية. كانت رسالته تدعو لبناء اقتصاد متنوع وعدم الاعتماد على النفط.

أعمال خالدة ومحطات بارزة

خلال مسيرته، قدم سعد الفرج العديد من الأعمال التي أصبحت علامات بارزة في تاريخ الفن الكويتي والخليجي، مثل:
نقطة سودة الحلقة 46

  • فيلم "بس يا بحر": يُعتبر من كلاسيكيات السينما الخليجية.
  • مسرحية "مضارب بني نفط": ناقشت صراعات النفط في الخليج.
  • مسرحية "سوق المناخ": جسدت الأزمة الاقتصادية الشهيرة.
  • مسرحية "هذا سيفوه": تناولت التاريخ السياسي للكويت وأثارت جدلاً.
  • مسلسل "درب الزلق": من أهم الأعمال الكوميدية في تاريخ الخليج.
  • مسلسل "الأقدار": أرّخ لمرحلة الطفرة النفطية وتحولاتها.

وعن "هذا سيفوه"، قال سعد: "كانت صرخة في وجه الفساد، ورغم الانتقادات، شعرت أنني أديت رسالة حقيقية."

تجربة حياة ورؤية مجتمعية

لم يكن سعد الفرج مجرد فنان فحسب، بل كان مثقفاً مستنيراً برؤية مستقبلية. تحدث عن طفولته قائلاً: "كنت أحلم بأن أعيش في المدينة". تطرق لواقع الفن في الكويت، مشيراً إلى أن الدولة كانت تدعم الفن بشكل محدود ولكن لم يستغل كقوة ناعمة.

الفن بين الماضي والحاضر

وفي حديثه عن واقع الفن اليوم، أبدى سعد أسفه لانحدار المسرح السياسي والفن الجاد، حيث فقد الكثير من دوره التنويري. كان الفن في زمنه ينقل هموم الناس، بينما اليوم يبدو بعيداً عن القضايا الحقيقية.

إرث خالد ومسيرة لا تُنسى

سعد الفرج، الذي بدأ رحلته كفرد بسيط يبيع التذاكر، أصبح اليوم رمزاً للمسرح السياسي في الكويت والخليج. من خلال أعماله، وثق أدق المراحل في تاريخ المنطقة، رافعًا راية الفن الجاد في وقت كان الخليج يتلمس خطواته الأولى نحو الحداثة.

هذا الفنان الذي وصفه زكي طليمات بـ"الرائع"، لا يزال يمضي على طريق الإبداع، رافعًا شعار الفن من أجل المجتمع والوطن.