رفض المدرسة: فهم الأسباب وطرق العلاج

يشعر العديد من الأطفال بالقلق أو الضيق في صباح أيام المدرسة، ويظهر ذلك على شكل تردد أو reluctance قبل مغادرتهم المنزل. لكن عندما يتحول هذا التردد إلى رفض مستمر يترافق مع بكاء أو نوبات غضب، أو حتى شكاوى صحية متكررة، فإننا نكون أمام ما يُعرف بـ"رفض المدرسة". وهو سلوك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقلق، خاصة بين الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
في كثير من الأحيان، لا يكون رفض المدرسة ناتجًا عن الكسل أو الدلال كما قد يعتقد البعض، بل هو نتيجة لقلق عميق يتغذى من تجارب سابقة صعبة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون صعوبة التركيز في الصف أو الإحراج الاجتماعي أو الفشل المتكرر في أداء الواجبات من الأسباب التي تجعل الذهاب إلى المدرسة يبدو وكأنه تهديد بدلاً من كونه نشاطًا اعتياديًا.
القلق.. وردود الفعل الطبيعية تجاهه

عندما يشعر الطفل بالقلق، فإن جسده يتفاعل بشكل تلقائي بإحدى ثلاث استجابات: القتال، الهروب، أو الجمود. وعادةً ما يختار الأطفال الهروب، حيث يبدأون في تجنب ما يثير خوفهم. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يخاف من الكلب في حديقة الجيران، فقد يرفض الخروج من المنزل. ورغم أن هذا السلوك قد يبدو مريحًا في اللحظة الحالية، إلا أنه يعزز فكرة أن الخوف مبرر ويعمق القلق مع مرور الوقت.
ينطبق هذا السيناريو أيضًا على المدرسة: فكلما تجنب الطفل الذهاب إليها، شعر بارتياح مؤقت، لكن ذلك يعزز في ذهنه فكرة أن المدرسة مصدر تهديد، مما يجعل العودة إليها أصعب في المستقبل.
العلاج بالتعرض.. خطوة بخطوة لمواجهة القلق
يعتبر "العلاج بالتعرض" من أنجح الأساليب للتعامل مع القلق المرتبط برفض المدرسة. يتضمن هذا العلاج تعريض الطفل بشكل تدريجي وآمن للمواقف التي تثير قلقه بدلاً من تجنبها، بهدف تدريبه على تحمل الشعور بعدم الارتياح حتى يتلاشى تدريجياً.
يتم ذلك عبر خطة تُعرف بـ"التسلسل الهرمي"، حيث تُقسم الخطوات إلى أجزاء صغيرة جداً، يمكن للطفل إنجازها واحدة تلو الأخرى، مع توفير الدعم والمكافآت التشجيعية بعد كل خطوة.
خطة علاج تدريجي: مثال عملي
- الركوب في السيارة والذهاب نحو المدرسة
- الوقوف أمام باب المدرسة
- دخول المدرسة من دون التوجه إلى الصف
- التجول في ممرات المدرسة
- الجلوس خارج الصف لمدة قصيرة
- البقاء مع صديق خارج الصف
- الدخول إلى الصف والجلوس في مكان آمن
- البقاء لفترة قصيرة من الحصص
- استكمال الدوام حتى وقت الغداء، ثم اليوم الكامل لاحقًا
دور الأهل والمدرسة: شراكة أساسية
يتطلب نجاح هذه الخطة تنسيقًا وثيقًا بين الأهل والمعالج والمدرسة. يُفضل أن يخضع الطفل لجلسات منتظمة للعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، مع اجتماعات دورية بين الأهل والمعالج لمراجعة التقدم.
يمكن للمدرسة أيضاً تقديم تسهيلات تساعد الطفل على التأقلم، مثل تخفيف الواجبات أو تعديل مكان الجلوس، أو السماح له ببدء يومه الدراسي في مكان يشعر فيه بالأمان، كالمكتب النفسي أو غرفة الاستراحة.
وفي حال لم تنجح هذه التدخلات، يمكن التفكير في خيارات أخرى مثل العلاج الدوائي أو الانتقال إلى مدرسة علاجية بديلة.
ماذا لو بقي الطفل في المنزل؟
إذا كان الطفل سيقضي يومه في المنزل، فلا ينبغي أن يتحول ذلك إلى وقت ممتع. الهدف هو ألا يشعر الطفل بأن البقاء في المنزل أفضل من الذهاب إلى المدرسة.
يُنصح الأهل بجعل اليوم الدراسي المنزلي خاليًا من الشاشات والأنشطة المسلية، مع الالتزام بمهام دراسية بسيطة وروتين ممل.
التهيئة لليوم المدرسي
في الليلة التي تسبق العودة إلى المدرسة، يُستحسن اعتماد أنشطة مريحة مثل قراءة القصص أو اللعب الهادئ، مع تجنب التوتر أو الجدال.
أما في الصباح، فإن التعبير الهادئ عن التعاطف يكون مهمًا جدًا: "أعلم أن الأمر صعب، لكني واثقة أنك قادر على تجاوزه". استخدام هذا النوع من العبارات يساعد الطفل على تهدئة مخاوفه ويشعره بالدعم دون أن يُضاعف من قلقه.
قلب أسود الحلقة 32