-

الاستقالة الصامتة: أسبابها وعواقبها

الاستقالة الصامتة: أسبابها وعواقبها
(اخر تعديل 2025-04-08 10:11:35 )
بواسطة

في عصر يتحدث فيه الكثيرون عن أهمية الولاء والالتزام وروح الفريق، يختار آلاف الموظفين الانسحاب بصمت من المعادلة. إنهم لا يتركون وظائفهم بشكل رسمي، لكنهم يقومون بخطوة أكثر خطورة: يتوقفون عن الإيمان بما يفعلونه. هذه الظاهرة، المعروفة باسم "الاستقالة الصامتة"، لا تعني مجرد ترك الوظيفة، بل تشير إلى انسحاب داخلي غير مُعلن يتوقف فيه الموظف عن بذل أي جهد يتجاوز الحد الأدنى المطلوب. يبدأ التعامل مع العمل كوسيلة لكسب العيش فقط، بدلاً من أن يكون مصدراً للإلهام أو فرصة للتطور.

ما المقصود بالاستقالة الصامتة؟

مصطلح "الاستقالة الصامتة" (Quiet Quitting) يُشير إلى حالة نفسية وسلوكية يتوقف فيها الموظف عن بذل أي جهد إضافي. هو مجرد حضور جسدي مع غياب نفسي، حيث يعمل الفرد بدافع الواجب فقط، وليس بدافع الشغف أو الانتماء.

لماذا ينسحب الموظف عاطفياً؟

تتعدد الأسباب التي تدفع الموظف للانسحاب عاطفياً، إلا أن معظمها مرتبط بغياب التقدير، الإرهاق الناتج عن ضغط العمل، ضعف التواصل مع الإدارة، أو شعور الموظف بعدم الجدوى من مساهماته. في بعض الأحيان، يعاني الموظف من صراع داخلي بين الالتزام بمسؤولياته والرغبة في الانسحاب كوسيلة لحماية نفسه من الضغوط.

تشير دراسة أجرتها Gallup عام 2023 إلى أن حوالي 59% من الموظفين في جميع أنحاء العالم لا يشعرون بأي انخراط حقيقي في وظائفهم، مما يعكس أن الاستقالة الصامتة أصبحت ظاهرة متزايدة في بيئات العمل الحديثة.

كيف تتعرف المؤسسات على الموظف المنسحب عاطفياً؟

توجد عدة مؤشرات تدل على انسحاب الموظف عاطفياً، منها:

  • انخفاض الحماس تجاه المشاريع الجديدة.
  • تجنب المشاركة في النقاشات أو الاجتماعات.
  • تنفيذ المهام دون أي مبادرة أو إبداع.
  • الالتزام الحرفي بساعات العمل دون مرونة.
  • تكرار التغيب أو التأخر.

هذه السلوكيات قد تعكس شعوراً بالإرهاق أو التهميش، وليس بالضرورة تدل على تمرد.
إذا خسر الملك الحلقة 5

هل الاستقالة الصامتة أمر سلبي؟

يمكن أن تُعتبر الاستقالة الصامتة وسيلة دفاعية للموظف للنجاة في بيئة عمل مرهقة نفسياً. فهي تمنحه القدرة على وضع حدود صحية، وتجنبه التورط في ضغوط مهنية لا تُقابل بالتقدير. من جهة أخرى، تُعتبر هذه الظاهرة مؤشراً على خطر يهدد ثقافة العمل، وقد تؤثر سلباً على الإنتاجية وأداء الفرق.

كيف يمكن الحد من الاستقالة الصامتة؟

لا يمكن معالجة الاستقالة الصامتة بمجرد زيادة الرواتب أو الحوافز، إذ إن ذلك يعد مشكلة أعمق تحتاج إلى:

  • تحسين جودة التواصل بين الإدارة والموظفين.
  • خلق بيئة تحفز على المشاركة وتقدّر الجهود.
  • منح الموظف مساحة للتطور المهني والشخصي.
  • تبني مبدأ الشفافية في التقييم وتوزيع المهام.
  • الاعتراف بالجهود والثناء على الإنجازات مهما كانت بسيطة.

الاستقالة الصامتة لا تُعلن عبر بريد إلكتروني، ولا تأتي في مغلف يُسلّم للمدير. إنها قرار داخلي، صامت ومؤلم، يتخذه الموظف حين يشعر أن صوته لا يُسمع، وأن قيمته تُقاس فقط بما ينجز ولا بما يشعر. وبينما تسعى المؤسسات للحفاظ على الكفاءات، يبقى الإصغاء الحقيقي هو الخطوة الأولى نحو استعادة الروح المفقودة في مكان العمل.