سقطرى... جزيرة الجن والأساطير

في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتزايد فيه الضغوط، يتألق كتاب "سقطرى… جزيرة الجن والأساطير" كنجمة في سماء الأدب، حيث يأخذنا بعيدًا إلى عالم الأساطير بفضل الترجمة المميزة التي قدمها طلعت شاهين. هذا الكتاب ليس مجرد سرد لرحلة، بل هو نافذة تطل على لحظة تاريخية فريدة، حيث تتداخل الخرافات مع الواقع في جزيرة سقطرى، التي تقع في قلب المحيط الهندي.
سقطرى... أرض الأساطير والتاريخ العتيق
تتواجد جزيرة سقطرى، على بُعد 400 كيلومتر من سواحل شبه الجزيرة العربية، وهي واحدة من أكثر الأماكن غموضًا وإثارة في العالم. هنا، تتنفس الأساطير، وتسمع أصداء السندباد البحري، وتستمتع بأجواء "ألف ليلة وليلة".
تتميز سقطرى بطبيعتها الفريدة، فهناك أشجار البخور العطرة وكهوف تخفي ظلال الجن، وكل زاوية فيها تحمل قصصًا وأساطير عريقة.
يقدم الكاتب الصحفي الإسباني جوردي إستيفا، الذي قام بزيارة الجزيرة خمس مرات بين عامي 2005 و2011، رؤية جديدة لم يكن من الممكن الوصول إليها إلا من خلال تجاربه الشخصية وملاحظاته الثاقبة.
زهور الثلج الحلقة 5
بين الأزمنة والأساطير... استحضار الماضي
لا يقتصر كتاب استيفيا على مجرد توثيق رحلة عادية، بل يتحول إلى راوٍ أسطوري يستحضر التاريخ ويعبر به عبر الأزمنة. يجلس مع شيوخ سقطرى، يستمع إلى حكايات الجن والسحرة التي تنتقل عبر الأجيال، ويصور حياة سكان الجزيرة الذين لا يزالون يعيشون في كهوف محفورة بالصخر، حيث تتآلف الأساطير مع حياتهم اليومية.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه سقطرى بتقاليدها القديمة، يدخل العصر الحديث عبر أبناء الجزيرة الذين يعملون في الخليج، جالبين معهم التكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف الذكية وآلات القهوة.
الأساطير والتاريخ… قراءة جديدة في الذاكرة الثقافية
يمتاز الكتاب بقدرة استيفيا على الربط بين الأسطورة القديمة لطائر الرخ التي قرأها في "ألف ليلة وليلة" والأساطير اليونانية، وصولاً إلى ملحمة جلجامش السومرية. هذا الربط يفتح المجال للتأمل في كيفية تشكل الهوية الثقافية عبر العصور.
يتناول الكاتب أيضًا رحلة جلجامش بحثًا عن عشبة الخلود في بحر العرب المحيط بالجزيرة، مما يرمز إلى الصراع الأبدي للإنسان مع الزمن. هذه العلاقات بين الأساطير تعكس عمق ارتباط الإنسان بجذوره الثقافية وتاريخه العريق.
الكتاب... تجربة بصرية وروحية
يمثل الكتاب تجربة بصرية مدهشة، حيث يأخذ القارئ في رحلة عبر الصور التي التقطها استيفيا للجزيرة. توثق هذه الصور المناظر الطبيعية الخلابة كأشجار الدراكو الغريبة و"وردة الصحراء"، بالإضافة إلى غابات الصبر والأدينيوم.
كما ينقل الكاتب القارئ إلى عالم يعبق بروائح البخور والمر، حيث تتناغم الأصوات التقليدية مع أجواء الجزيرة. يصطحبنا أيضًا في رحلة مع حفيد السلطان الأخير عبر جبال حجهر، حيث تتراقص النسور في سماء جزيرة لا مثيل لها.
"سقطرى... جزيرة الجن والأساطير": أكثر من مجرد كتاب رحلات
إن هذا الكتاب لا يقدم فقط تفاصيل عن رحلة إلى جزيرة نائية، بل يسهم في تشكيل فهمنا للعالم من خلال ثقافة وأساطير قديمة. ومع الترجمة العربية، يصبح الكتاب جسرًا يربط بين الشرق والغرب، وبين الماضي والحاضر، وهو دعوة للتفكير في كيفية تمسك الإنسان بماضيه الثقافي وسط رياح العصر الحديث.