السعي للكمال: بين الإيجابية والقلق
السعي نحو الكمال قد يبدو في البداية كصفة إيجابية، ولكنه غالباً ما يكشف عن قلق عميق وخوف من الفشل. يشير الدكتور توماس غرينسبون، الخبير في دراسة الكمالية، إلى أن الكمالية ليست مرضاً بحد ذاتها، بل هي تعبير عن أزمة داخلية تتمثل في القلق والتوتر.
الأمل لا يمكن تقييده مدبلج الحلقة 16
في الحقيقة، الرغبة في تحقيق الكمال تثقل كاهل الشخص بأعباء من الشك والتردد، مما يمنعه من إتمام مهامه واتخاذ قراراته بثقة واطمئنان.
طرق التخلص من الرغبة في الكمال
لكي نتخلص من هذه العادة السلبية، يمكننا اتباع ثلاث استراتيجيات فعّالة تساعدنا على إعادة التفكير في مفهوم الكمالية وتحقيق التوازن في حياتنا.
1. ابحث عن دافعك الحقيقي
ما هو السبب الحقيقي وراء سعيك للكمال؟ قد يكون ذلك نابعاً من رغبة عميقة في إثبات الذات أمام الآخرين، أو هروباً من مشاعر العار أو الحكم السلبي. أحياناً، نكون قد تعلمنا منذ الصغر أن نرضي صوتاً داخلياً ناقداً، مما يجعل الكمالية عادة مريحة تلجأ إليها رغم آثارها السلبية.
2. عزل الناقد الداخلي
لكي تصل إلى المثالية، غالباً ما تكون هناك أفكار سلبية تدفعك لذلك. هذه الأفكار قد تنبع من تجارب سابقة أو من صوت داخلي يتكرر باستمرار. قد تسمع في داخلك عبارات مثل: "إذا لم أعمل بنسبة 110%، سأفقد وظيفتي" أو "لا يمكنني أن أرتكب أي خطأ؛ لأن ذلك يثبت أنني فاشل".
لتخفيف تأثير هذا الناقد الداخلي، يجب التعرف عليه: من أين يأتي؟ هل هو صوتك أم صوت شخص آخر؟ بمجرد أن تعرف مصدر تلك الأفكار، يمكنك مواجهتها. كما تقول أخصائية القلق أليس بويز، فإن الكمالية غالباً ما تكون وسيلة للوقاية من الألم. لكن الحقيقة هي أن الفشل أو عدم التميز ليس تهديداً لشخصيتك.
حاول ممارسة التعاطف مع ذاتك. عند الفشل أو التردد، ذكر نفسك بأنه من الطبيعي أن تواجه صعوبات. لا بأس أن تكون "عادياً" أحياناً.
3. تعلم تحديد أهداف "كافية"
بدلاً من وضع أهداف مبالغ فيها، حاول تحديد أهداف "كافية". هذا الأسلوب يعتمد على بذل جهد مناسب دون استنزاف طاقتك العاطفية والجسدية. كما توضح الكاتبة سالي كيمبتون، الجهد المناسب يعني القيام بما هو ضروري دون صراع داخلي.
للتدرب على ذلك، ابدأ بأهداف خارج نطاق العمل. على سبيل المثال، يمكنك تقليل مدة ممارسة التمارين الرياضية اليومية إذا كنت تتبع نظام تدريب مكثف. ستلاحظ أنك ما زلت تحقق نتائج جيدة مع تقليل الضغط النفسي.
قد تشعر في البداية وكأنك تفشل، لكن هذا الإحساس مؤقت. مع مرور الوقت، ستجد أن تقليل القلق الزائد يتيح لك فرصة للاستمتاع بحياة متوازنة وأكثر صحة.
ختاماً، السعي نحو الكمال ليس دائماً ميزة إيجابية. بل قد يكون عائقاً يمنعك من التقدم والاستمتاع بحياتك. من خلال اكتشاف دوافعك الحقيقية، والتصالح مع الناقد الداخلي، ووضع أهداف واقعية، يمكنك التحرر من هذه العادة وتحقيق التوازن الذي تسعى إليه. لا بأس أن تكون أقل من مثالي في بعض الأحيان، فالحياة الكاملة تكمن في التوازن وليس في الكمال.