رحيل الفنان عامر التوني وأثره في التراث الصوفي
فقدت الساحة الفنية أحد أبرز نجومها، الفنان والمنشد الصوفي عامر التوني، الذي وافته المنية يوم الأحد بعد مسيرة فنية غنية وعميقة كان قد كرس فيها كل جهوده لإحياء التراث الصوفي ونشره ليس فقط في مصر بل في مختلف أنحاء العالم.
لقد كان التوني يحرص على تقديم عروض شهرية منتظمة في عدة أماكن ثقافية مرموقة مثل ساقية الصاوي وقبة الغوري في القاهرة، حيث تمكن من جذب جمهور واسع من محبي الإنشاد الصوفي والموسيقى الروحية، مما يعكس شغفه الكبير بالموسيقى التي تعبر عن الروح.
مسيرة فنية حافلة بالعطاء
أسس عامر التوني فرقة المولوية المصرية في عام 1994، لتصبح واحدة من أبرز التجارب الفنية في مجال الإنشاد الصوفي. وعلى مدى أكثر من عقدين، قدم التوني عروضًا مميزة تمزج بين الغناء الصوفي والاستعراض الحركي، مما يعكس روح التصوف وجوهره العميق.
قدمت فرقة المولوية أعمالًا لاقت صدى واسعًا، ومن بين الأغاني الشهيرة التي قدمتها "تضيق بنا الدنيا" و"متى يا حبيب القلب"، والتي كانت تجسد الروح الصوفية العميقة وتعكس فلسفة الحب الإلهي والبحث عن السكينة الداخلية.
المولوية.. من طقوس روحية إلى فن عالمي
يعود أصل فن المولوية إلى الطريقة الصوفية التي أسسها الشاعر والفيلسوف جلال الدين الرومي قبل أكثر من 800 عام، وقد دخل هذا الفن إلى مصر خلال الفتح العثماني، حيث عُرف حينها بمسرح الدراويش. لقد تمكن التوني من تحويل هذا الفن من مجرد طقوس دينية إلى عروض فنية راقية، مع الحفاظ على الجوهر الروحي والتأمل العميق الذي يميز الرقصة الصوفية.
كانت رؤيته تتجه نحو إلقاء الضوء على التراث المولوي المصري وتقديمه بشكل يعبر عن الهوية والثقافة المصرية الأصيلة، مما ساهم في تعزيز مكانة هذا الفن على الساحة الثقافية.
هوية مصرية بطابع صوفي
رغم انتشار فن المولوية في العديد من الدول، إلا أن عامر التوني كان يسعى دائمًا لتقديم نسخة مصرية خالصة من هذا الفن. لقد حرص على أن تكون عروض المولوية المصرية مميزة عن نظيراتها في تركيا أو أي مكان آخر، من خلال إضافة لمسات مصرية صوفية تعكس الهوية الثقافية الوطنية.
وبهذا، استطاع التوني أن يثبت أن الفن الصوفي يمكن أن يكون جسراً للتواصل بين الثقافات، وفي نفس الوقت وسيلة فعالة للحفاظ على التراث الوطني الغني.
مجمع 75 الحلقة 250
