-

تأثير مقاطع الفيديو على الأطفال وصحتهم النفسية

تأثير مقاطع الفيديو على الأطفال وصحتهم النفسية
(اخر تعديل 2025-04-10 12:35:42 )
بواسطة

في زمن تتسارع فيه المنصات الرقمية لتجذب انتباه الأطفال، نجد أن مقاطع الفيديو الموجهة لهم لم تعد تخضع دائمًا لمعايير الرقابة أو التفكير التربوي السليم. ومن بين الظواهر المقلقة التي اجتاحت منصات مثل "يوتيوب" و"تيك توك"، نجد برامج المقالب التي تُظهر مواقف مفاجئة، قد تكون مؤذية أحيانًا، على أنها مجرد مادة للضحك والمزاح.

ومع متابعة ملايين الأطفال لهذه الفيديوهات يوميًا، تبرز العديد من التساؤلات: كيف يستقبل الطفل هذا المحتوى؟ كيف يتفاعل معه؟ وهل يدرك فعلاً أن ما يشاهده هو مجرد تمثيل؟

في حوار خاص مع الأخصائية النفسية والاجتماعية، لانا قصقص، تم تناول التأثيرات العميقة والخفية التي تتركها هذه البرامج على نفسية الطفل وسلوكه، محذرة من العواقب الخطيرة التي قد لا يدركها الأهل إلا بعد فوات الأوان.

برامج المقالب.. كيف تهدد الصحة النفسية للأطفال؟

تأثير برامج المقالب على الأطفال

يعتقد بعض الأهل أن هذه البرامج هي مجرد وسيلة ترفيهية تُلهي الطفل لفترة قصيرة، ولكن الآثار النفسية المحتملة قد تكون أعمق مما نتصور. وقد أجابت الأخصائية لانا عن أهم الأسئلة التي تشغل بال الآباء لحماية أطفالهم.

كيف تؤثر برامج المقالب، خاصة المنتشرة على يوتيوب، في الصحة النفسية للأطفال؟

تشير الأخصائية لانا قصقص إلى أن هذه البرامج تعتمد على العنف الرمزي مثل الخوف، والإذلال، والألم، وتُقدّم كوسائل للضحك. لكن في الحقيقة، تترك هذه المشاهد أثرًا سلبيًا عميقًا على الطفل. حيث يبدأ الطفل، عند تعرضه لمشاهد الإيذاء المتكررة، بفقدان شعوره بالأمان، خاصة أنه لا يستطيع التمييز بين العالم الافتراضي والواقعي، فيربط نفسه بالشخصيات والمواقف كما لو كانت جزءًا من حياته اليومية. هذا الأمر قد يؤدي إلى شعور دائم بالقلق والخوف من التعرض لمواقف مشابهة.

أما في ما يتعلق بالتقليد، فإن الأطفال يتعلمون من خلال الملاحظة، كما توضح نظرية باندورا، مما يعني أنهم قد يحاولون تقليد السلوك العدواني الذي يشاهدونه. والأسوأ من ذلك، قد يتسامح الأطفال مع هذا السلوك ويعتبرونه وسيلة مقبولة للضحك والتسلية، مما يشوه فهمهم للقيم الأخلاقية والسلوكية.

هل يستطيع الأطفال التمييز بين المزاح الآمن والمقالب المؤذية؟ وما مدى خطورة تعرضهم المتكرر لهذا النوع من المحتوى على سلوكهم وتفكيرهم؟

توضح الأخصائية أن الأطفال، خاصة دون سن السابعة، لا يملكون القدرة على التمييز بين السلوك المؤذي وغير المؤذي. ودمج مشاعر الألم والخوف بالضحك يجعلهم يربطون بين الأذى والمتعة، مما يشكل لديهم مفاهيم خطيرة حول العلاقات والمواقف الاجتماعية.

وتضيف الأخصائية: عندما يعتاد الطفل على الضحك الناتج عن الألم، قد يعتقد أنه من حقه إضحاك الآخرين حتى لو كان ذلك على حساب مشاعرهم وكرامتهم، مما يعطل نموه الأخلاقي بشكل واضح.

ما أثر مشاهد الخداع والضحك على الخوف أو الألم في تشكيل مفاهيم الطفل حول العلاقات الاجتماعية والثقة بالآخرين؟

تشير قصقص إلى أن مشاهد الخداع، عندما تُقدّم تحت عنوان "مزاح"، تزعزع مفهوم الثقة لدى الطفل، مما يجعله يشك حتى في أقرب الناس إليه.

كذلك، تُشوّه هذه المشاهد صورة العلاقات الاجتماعية مثل الصداقة والحب واللعب، حيث يتعلم الطفل أن العلاقات تقوم على استغلال الآخرين بدلاً من الاحترام. تكرار التعرض لمشاهد الإيذاء قد يجعل الطفل أقل تعاطفًا مع الآخرين، ويفقده حسه الإنساني الطبيعي في التفاعل الاجتماعي.

ما العلامات النفسية أو السلوكية التي قد تظهر على الطفل وتدل على تأثره السلبي بهذا المحتوى؟ ومتى ينبغي على الأهل التدخل؟

تحذر لانا من عدة مؤشرات يجب على الأهل الانتباه لها، مثل: الأرق، الكوابيس، القلق الليلي، الضحك غير الطبيعي عند مشاهد العنف، تقليد السلوكيات العدوانية، وفقدان الثقة بالآخرين.

كما قد يلاحظ الأهل أن الطفل يكرر عبارات أو مواقف شاهدها في هذه الفيديوهات. تؤكد الأخصائية أنه يجب على الأهل التدخل فورًا عند ملاحظة تراجع في الأداء الدراسي، أو الانسحاب الاجتماعي، أو المبالغة في الضحك والتنمر، حيث تعتبر هذه علامات حمراء تستدعي وقفة جادة.
العبقري مدبلج الحلقة 126

ما الدور المطلوب من الأهل، والمدارس، والمنصات الرقمية للحد من تأثير هذه البرامج؟ وهل الرقابة كافية أو أن التوعية هي الحل الأهم؟

تؤكد قصقص أن الدور يبدأ من الأسرة، من خلال المراقبة الواعية والجلوس مع الأطفال أثناء المشاهدة، وفتح حوار حول ما يرونه، مع توضيح أن هذا النوع من "الضحك" لا يتناسب مع قيمنا. كما يجب تدريب الطفل على التفكير النقدي، وربط المحتوى بالقيم الحقيقية التي نرغب في ترسيخها.

أما المدارس، فعليها إدخال التربية الإعلامية ضمن المناهج، ومتابعة الطلاب وتحويل من يحتاج إلى دعم إلى اختصاصيين. وفيما يخص المنصات الرقمية، فإنها تتحمل مسؤولية وضع تصنيفات عمرية دقيقة، وعدم بث المحتوى المؤذي بشكل عشوائي، مع التنبيه قبل عرض أي مقطع غير مناسب للفئات الصغيرة، وتشجيع صنّاع المحتوى الإيجابي.

ختامًا، وفي ظل طوفان المحتوى الرقمي، لا يمكننا الاكتفاء بالرقابة فقط؛ بل نحن بحاجة إلى بناء جيل يمتلك وعيًا نقدياً وقلوبًا تعرف كيف تضحك دون أن تؤذي. الأطفال لا يملكون الفلترة التي نمتلكها نحن الكبار، مما يجعلهم عُرضة لتشويش القيم وتشويه العلاقات. هنا تأتي أهمية دور الأهل، والمدارس، والمنصات لبناء محتوى يليق بطفولة نظيفة، ويحمي براءتها من أن تُختطف خلف شاشة بلا ضوابط.