أثر الطفولة القاسية على الشخصية

تُعتبر الطفولة المرحلة الأساسية التي تُشكّل شخصية الإنسان، ولكنها ليست دائمًا فترة مليئة بالأمان والحنان. في العديد من الحالات، يعيش بعض الأفراد تجارب قاسية تترك أثرًا عميقًا يستمر لسنوات طويلة. هذه التجارب قد تشمل الاعتداء، الإهمال، الانفصال الأسري، الفوضى في المنزل، أو حتى وجود أحد الوالدين في السجن أو معاناته من اضطراب نفسي. وهي ظروف يصعب نسيانها، وتؤثر لاحقًا على كيفية تفكير الفرد وتعامله مع الحياة.
صلاح الدين الأيوبي الحلقة 31
علامات تشير إلى طفولة قاسية
تشير الدراسات إلى أن تجارب الطفولة ترتبط بمجموعة من الصفات الشخصية التي تظهر في مرحلة البلوغ لدى من عاشوا طفولة مؤلمة. فيما يلي أبرز هذه الصفات:
1. الميل إلى المشاعر السلبية (العُصابِيّة)
الأفراد الذين نشأوا في بيئات مليئة بالتوتر والألم العاطفي غالبًا ما يعانون من مشاعر سلبية يصعب السيطرة عليها. تشمل هذه المشاعر القلق، الاكتئاب، الغضب، والذعر. تزيد هذه الحالة من تعقيد حياتهم، حيث تكون آليات التكيف لديهم ضعيفة، إذ لم يتعلموا في صغرهم كيفية تنظيم انفعالاتهم أو تهدئة قلقهم الداخلي.
2. الغضب والعدوانية
يمكن أن يظهر الغضب لدى بعض الأفراد الذين تعرضوا لتجارب قاسية كوسيلة دفاعية. قد يتسمون بالعدائية في الحوار أو بسلوك اندفاعي، وكأنهم في حالة استنفار دائم. هذا السلوك قد يكون نتاجًا للبيئة المنزلية التي نشأوا فيها، أو وسيلة لا واعية لحماية أنفسهم من التعرض لأذى جديد.
3. انخفاض الميل للتعاون والتفاهم (اللا توافق)
يواجه بعض الناجين من طفولة مؤلمة صعوبة في الثقة بالآخرين أو الانخراط بسهولة في علاقات اجتماعية. قد يميلون إلى العزلة، ويكونون كثيري الجدال، ويفضلون الاعتماد على أنفسهم حتى في المواقف التي تتطلب العمل الجماعي. تعود هذه السمات جزئيًا إلى شعورهم المزمن بعدم الأمان أو حساسيتهم المفرطة تجاه النقد.
4. التعلّق المفرط بالنجاح الظاهري
يسعى البعض لتحقيق النجاح المادي أو الاجتماعي بشكل مفرط، ليس بدافع الطموح النقي، بل كوسيلة لسد الفجوة الداخلية التي تركتها طفولة مؤلمة. قد يظهر هؤلاء واثقين أو متفاخرين، لكن في العمق، يُخفي شعورهم بالهشاشة ورغبتهم في إثبات أنفسهم أمام العالم.
5. ضعف التفاعل الداخلي مع الحياة
رغم سعيهم نحو الإنجازات، قد يواجه هؤلاء الأفراد صعوبة في الانخراط الحقيقي في الحياة. يفتقرون إلى الشغف، ويجدون صعوبة في تحديد هدف واضح، كما يجدون صعوبة في الاستمتاع بالأنشطة اليومية أو حتى بالإنجازات التي يحققونها. في العلاقات الاجتماعية، يميلون إلى التحفظ وربما اللامبالاة.
هل يمكن التغيير؟
رغم أن الشخصيات تميل إلى الثبات مع مرور الوقت، إلا أن الدراسات أثبتت أن التغيير ممكن. يمكن أن يُحدث العلاج النفسي أو بعض التدريبات الذهنية فرقًا ملحوظًا، خاصة في ما يتعلق بسمات مثل العُصابية أو فرط الاستجابة السلبية.
من المفيد أيضًا الاعتراف بأن هذه السمات، رغم صعوبتها، قد تكون نتيجة طبيعية لتجارب سابقة. كثيرًا ما تكون وسيلة دفاعية ضد الألم، وليست دليلاً على الضعف. ولعل الخطوة الأولى نحو الشفاء هي تقدير ما مرّ به الفرد في حياته، والاعتراف بالقوة الكامنة في استمراره رغم كل الصعوبات.