-

تأثير التكنولوجيا على تواصلنا الإنساني

تأثير التكنولوجيا على تواصلنا الإنساني
(اخر تعديل 2025-01-08 06:27:35 )
بواسطة

في عصر التكنولوجيا الحديثة، نشهد طفرة غير مسبوقة في وسائل التواصل، والتي تتطور بسرعة مذهلة. ولكن، هل تساءلنا يومًا عن الآثار الجانبية لهذا التقدم؟ فبينما يُسهل علينا التواصل، يبدو أن هناك جوانب سلبية تؤثر على كيفية تواصلنا كأشخاص. فمن استبدال المحادثات الوجاهية بالرسائل النصية، إلى الاعتماد المتزايد على "الشات بوت" في إدارة خدمات العملاء، قد نكون على وشك فقدان اللمسة الإنسانية في حياتنا اليومية.
الشركة الحلقة 5

الشات بوت: راحة للشركات، عبء على العملاء

الشات بوت

لا يمكن إنكار أن الشركات الكبرى تجد في تقنيات التواصل الحديثة، مثل "الشات بوت"، فرصة لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة. لكن، ماذا عن تجربة العميل؟ فغالبًا ما تكون تلك التجربة محبطة، إذ يواجه العملاء مكالمات لا تنتهي مع أنظمة آلية، واستجابات لا تعكس مشكلاتهم الفعلية. يتساءل الكثيرون: هل أصبحت التكنولوجيا الحديثة سببًا في فقدان إنسانيتنا في التواصل؟

حين نتحدث عن تجربة العملاء مع أنظمة الدعم الآلي، نرى أنها مليئة بالتحديات. تخيل أن لديك مشكلة بنكية تحتاج إلى تدخل بشري، ولكنك تجد نفسك عالقًا في دوامة من المكالمات مع روبوتات تقدم خيارات متعددة دون حل حقيقي. في لحظة إحباط، قد تجد نفسك تصرخ "أريد مندوبًا!"، مما يعكس كيف يمكن لهذه التجارب أن تبعدنا عن طبيعتنا الإنسانية كأشخاص لطيفين ومتعاونين.

عدم توافق التطور التكنولوجي مع الطبيعة البشرية

من منظور تطوري، لم يتكيف البشر بعد مع أساليب التواصل الحديثة التي تفصل بين الأفراد وتجعل التفاعل أقل شخصية. على مر التاريخ، كان التواصل وجهًا لوجه هو الأبرز، حيث كنا نتواصل مع الأشخاص الذين نعرفهم ونعيش معهم. هذا الأمر كان يفرض مستوى معينًا من الاحترام والتفاهم المتبادل.

تشير دراسات علم النفس السلوكي (Geher & Wedberg, 2022) إلى أن التفاعل مع الغرباء أو عبر وسائل غير شخصية، مثل الروبوتات، يؤدي إلى ما يعرف بـ "فقدان الفردية" أو "Deindividuation". وهذا يفسر لماذا يمكن أن نتحدث بحدة مع شات بوت، بينما قد نتجنب ذلك في حديثنا مع موظف بشري.

تكلفة التطور التكنولوجي: مادية وإنسانية

لا تقتصر تأثيرات التكنولوجيا على إعادة تشكيل أساليب التواصل فحسب، بل تمتد أيضًا لتؤثر على مستوى الثقة بين العملاء والشركات. عندما يشعر العميل بأنه مجرد رقم في قائمة طويلة من المكالمات، تتضاءل ثقته بالشركة. وعلى الرغم من أن هذا التغيير قد يعود بفوائد مالية قصيرة الأمد على الشركات، إلا أنه يأتي على حساب بناء علاقة طويلة الأمد مع العملاء.

علاوة على ذلك، يُهدر الأفراد ساعات طويلة أسبوعيًا في محاولة حل مشكلاتهم عبر أنظمة دعم لا تلبي احتياجاتهم. وقد أشارت دراسات (Zimbardo, 2007) إلى أن هذا النوع من الإحباط يترك أثرًا سلبيًا على الصحة النفسية للفرد، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذه التقنيات.

التكنولوجيا البشرية

حلول واقعية: دمج الجانب الإنساني مع التكنولوجيا

لذا، لتحقيق توازن أفضل، يجب على الشركات أن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات العملاء من منظور تطوري. إن تقديم الدعم عبر وسائل تجمع بين السرعة والكفاءة مع لمسة إنسانية قد يكون هو الحل. على سبيل المثال، يمكن أن توفر الشركات خيار الوصول المباشر لمندوب بشري بعد مرحلة أولية من التفاعل مع الروبوت، مما يمنح العملاء الشعور بأنهم مسموعون ومقدّرون.

خلاصة القول، يمثل التطور التكنولوجي تحديًا كبيرًا للطبيعة البشرية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتواصلنا مع الآخرين. لكن إذا استطعنا استخدام التكنولوجيا بطرق تتماشى مع طبيعتنا التطورية، قد نجد أن الحلول لا تحتاج إلى استغناء كامل عن "الشات بوت"، بل إلى دمج الجانب الإنساني بشكل أفضل في أنظمة التواصل.