تأثير التكنولوجيا على صورتنا الذاتية
لقد أحدثت التكنولوجيا ثورة حقيقية في الطريقة التي ندرك بها أنفسنا، إذ مع ظهور الكاميرات والهواتف الذكية، أصبحنا نملك القدرة على التقاط صور لا تعد ولا تحصى لأنفسنا ومشاركتها مع العالم. هذه الممارسة لم تعد مجرد هواية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية.
في هذا السياق، يؤكد الدكتور بيتر جاردنفورس، أستاذ العلوم الإدراكية في جامعة لوند في السويد، أن التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي قد أثرت بعمق على مفهومنا لذواتنا. حيث يشير الدكتور إلى أن تزايد عدد الصور التي نقوم بالتقاطها لأنفسنا يساهم في تشكيل صورة ذهنية جديدة عن هويتنا، وهي صورة مبنية على ما نراه في تلك الصور، مما يقلل من وظيفة الصور كأدوات للذاكرة.
لا تبكي يا إسطنبول الحلقة 3
ومع ذلك، فإن هذه الصورة ليست بالضرورة تعبيرًا دقيقًا عن واقعنا، بل هي في الغالب صورة مصممة بعناية ومعدلة لنرضي بها أنفسنا والآخرين، مما يخلق فجوة بين الذات الحقيقية والصورة الظاهرة.
النرجسية ووسائل التواصل الاجتماعي
يشرح الدكتور بيتر أن علماء الاجتماع قد قاموا بدراسة شاملة للتغيرات التي تطرأ على العلاقة بين الخصوصية والعامة في سياق وسائل التواصل الاجتماعي، ولاحظوا أن النرجسية تتجاوز مجرد إعجاب الشخص بنفسه. بل هي انشغال عميق بالذات يمنع الفرد من بناء علاقات صحية مع الآخرين. على سبيل المثال، يسأل النرجسي باستمرار "ماذا يعني هذا بالنسبة لي؟" متجاهلاً احتياجات ومشاعر من حوله.
هؤلاء الأشخاص يعتبرون الآخرين مجرد جمهور يسعون لإرضائهم، مما يؤدي إلى شعور دائم بالملل وتجنب الارتباطات العميقة.
كيف تعزز التكنولوجيا النرجسية؟
تقدم التكنولوجيا مجموعة من العوامل التي تسهم في تعزيز النرجسية، وفقًا للدكتور بيتر في مقاله. ومن هذه العوامل:
صور السيلفي والثقة المفرطة بالنفس
تساهم صور السيلفي التي نلتقطها بشكل متكرر في تعزيز شعورنا بالأهمية الذاتية، مما يؤدي إلى تركيز مفرط على المظهر الخارجي. فمع كل صورة نلتقطها، نعيد تأكيد أنفسنا على أننا محور الاهتمام.
التلاعب بالصور وإخفاء العيوب
تتيح برامج تعديل الصور إمكانية إخفاء العيوب وتحسين المظهر، مما يخلق صورة مثالية وغير واقعية عن الذات. وهذا بدوره يؤدي إلى شعور دائم بعدم الرضا عن المظهر الحقيقي وتطوير توقعات غير واقعية.
البحث عن الإعجابات
عند نشر صورنا على وسائل التواصل الاجتماعي، نسعى للحصول على إعجابات وتعليقات إيجابية. وهذا الدافع للحصول على تأييد الآخرين يعزز الشعور بالأهمية الذاتية، ويدفعنا لتبني سلوكيات البحث عن الاهتمام.
التركيز على المظهر الخارجي
مع تزايد أهمية المظهر في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يزداد الانشغال بالجمال الخارجي والصفات السطحية، مما يؤدي إلى تهميش الصفات الداخلية والشخصية.
قلة الوعي بالذات الحقيقية
إن التركيز المفرط على الصورة الظاهرة وما نقدمه للآخرين يؤدي إلى فقدان الوعي بالذات الحقيقية والعمق الداخلي.
وفي الختام، تلعب التكنولوجيا، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، دورًا كبيرًا في تشكيل صورتنا الذاتية وتأثيرها على سلوكنا. ومن خلال توفير الأدوات اللازمة لإنشاء صور مثالية لأنفسنا ومشاركتها مع الآخرين، تعزز التكنولوجيا النرجسية والتركيز المفرط على الذات. لذلك، من المهم أن نكون واعين لهذه الآثار السلبية، ونسعى لتحقيق توازن صحي بين حياتنا الرقمية وحياتنا الواقعية.