-

أهمية الاعتناء بالطفل الوسط في الأسرة

أهمية الاعتناء بالطفل الوسط في الأسرة
(اخر تعديل 2025-04-17 09:35:44 )
بواسطة

تتردد في مجتمعاتنا العربية الكثير من النكات حول "الطفل الأوسط"، الذي يبدو كأنه ضائع بين شقيقه الأكبر الذي يحظى بكافة التقدير والعناية، والأصغر الذي ينال كل الاهتمام والدلال. في هذه الديناميكية الأسرية، يتم تجاهل الطفل الأوسط، الذي يظل في منطقة رمادية من الإهمال النسبي، حيث لا يتم الاحتفاء بوجوده كما يستحق. بينما يتمتع البكر بمكانة خاصة كأول بشارة للعائلة، ويحظى الأخير بكل الحب والحنان، يبدو أن الطفل في المنتصف يعاني من عدم الاعتراف به.

لكن اليوم، بدأ وعي بعض الأمهات يدرك أهمية هذه الفجوة. فقد أدركت العديد منهن أن ترتيب الأطفال ليس مجرد تسلسل، بل تجربة عاطفية متكاملة تؤثر في شعور الطفل تجاه نفسه. وهذا ما يدفعهن للبحث عن طرق فعالة تجعل كل طفل يشعر بأنه مُقدَّر ومحبوب، بغض النظر عن موقعه في هرم الأسرة.

أهمية “الانتباه الفردي” في التكوين النفسي للطفل

صورة توضيحية

تشير دراسات علم النفس التربوي إلى أن شعور الطفل بفرادته داخل أسرته يعد أحد الأسس المهمة لتكوين هويته النفسية. الطفل الذي يشعر بأنه مُسمَع ويُعتنى به كفرد، تتعزز لديه الثقة بالنفس، مما يساعده على اكتشاف إمكانياته وتطوير صوت داخلي يحترم ذاته ويعرف قيمته الحقيقية.

أما إذا عومل كجزء من مجموعة أو تم مقارنته بإخوته باستمرار، فقد ينشأ لديه شعور بالهامشية، مما يدفعه للبحث عن الاهتمام من مصادر خارجية، والتي قد تكون غير آمنة أو بناءة.

كيف نخلق “مساحات فردية” داخل حياة جماعية؟

ليس الأمر متعلقاً بالوقت الذي نخصصه، بل بنية الانتباه والنية. إليك بعض الأساليب التي يمكن أن يتبعها الأهل، حتى في الأسر الكبيرة المليئة بالانشغالات:
زهور الثلج الحلقة 9

1. موعد أسبوعي ثابت لكل طفل

اختر يوماً محدداً في الشهر أو الأسبوع، وحدد مسبقاً الطفل الذي سيقضي وقتاً خاصاً معك. هذا التحديد يمنح الطفل شعوراً بالأمان والترقب، ويساعد على تقليل الغيرة بين الإخوة.

يمكن أن يكون هذا الوقت مخصصاً لنزهة قصيرة، أو للدردشة في المطبخ أثناء إعداد وجبة، أو حتى لدقائق قبل النوم للضحك وتبادل الأحاديث.

2. ملاحظات مكتوبة بأسمائهم

يُدهش الأطفال عندما يرون أسمائهم مكتوبة بخط والديهم، ليس على قوائم المهام، بل على ورقة صغيرة تحمل كلمات مثل: "أحببت طريقتك في مساعدة أختك اليوم".

هذه الرسائل الصغيرة تُحدث فرقاً كبيراً. يُفضل الاحتفاظ بها في صندوق خاص بكل طفل، ليعود إليها عندما يحتاج لتذكير بحب والديه له.

3. الاحتفال بالاختلاف لا بالمقارنة

بدلاً من مدح طفل على حساب آخر، يمكننا القول: "أحببت طريقتك الهادئة في التفكير" أو "أعجبني خيالك الواسع في الرسم".

عندما نوضح للأطفال أن خصائصهم ليست أقل أو أكثر من غيرهم، بل مختلفة بطرقها الخاصة، نساعدهم على تطوير شعور بالاعتزاز بما هم عليه.

4. سرد القصص من منظور الطفل

حاول أن تروي لكل طفل قصة عن نفسه، وكأنه بطل الرواية. يمكن أن تكون قصة يوم ولادته، أو موقف طريف حصل له في طفولته.

هذا النوع من القصص يمنح الطفل شعوراً بأن له "تاريخاً خاصاً" يُروى، وأنه ليس مجرد تابع في قصة الآخرين.

التربية ليست بالمساواة المطلقة... بل بالعدل العاطفي

من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الأهل هو الاعتقاد بأن "العدل" يعني توزيع نفس القدر من الوقت والهدايا والانتباه على جميع الأطفال.

لكن الحقيقة هي أن الطفل لا يحتاج إلى "المساواة"، بل إلى ما يناسب احتياجاته ويجعله يشعر بأنه محبوب كما هو.

فالطفل الحساس قد يحتاج إلى حضن أطول، بينما الطفل النشيط قد يحتاج إلى استماع هادئ.

الأمومة الفعالة تتعرف على هذه الاختلافات، وتحترمها، وتتعامل معها بلطف، مما يجعل الطفل يشعر أنه ليس عبءاً، بل نعمة.

وماذا عن الأطفال الأكبر سناً؟

أحياناً، يحصل الأطفال الصغار على اهتمام مضاعف بطبيعتهم، بينما يُترك المراهق أو اليافع وكأنه أصبح "مكتفياً بنفسه".

لكن في الحقيقة، لا يتوقف الطفل عن حاجته للاهتمام الفردي، مهما تقدم في العمر.

المراهقة، بما تحمله من تحولات عاطفية، تتطلب تواصلاً أعمق، لا من موقف توجيهي، بل من موقع صداقة وثقة.

عندما يشعر الطفل بأن له مكانة خاصة، ليس فقط لأن والديه يحبانه، بل لأنهما يعرفانه حقاً، تتكون بداخله جذور هوية متماسكة، تساعده على مواجهة الحياة بثقة وهدوء.

يمكن للأسرة الكبيرة، من خلال إدارتها بحكمة عاطفية، أن تكون بيئة مثمرة لغرس هذا الشعور بالتميز، بشرط أن تُزرع في تربة صحيحة من الحضور، والاستماع، والمحبة الفردية.