أسطورة كوكب الشرق أم كلثوم
في كل عام، نعود لنستحضر ذكريات ميلاد كوكب الشرق، أم كلثوم، الفنانة التي حطمت حدود الزمان والمكان لتبقى رمزا خالدا في قلوب الملايين. صوتها العذب وأداؤها المميز جعلا منها شخصية فنية لا يمكن نسيانها، حيث كانت تجسد الإبداع وروح الثقافة العربية على مدار عقود طويلة.
البداية المتواضعة.. من "طماي الزهايرة" إلى قلوب الملايين
وُلدت أم كلثوم، المعروفة باسم فاطمة بنت الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي، في 31 ديسمبر 1898 أو 4 مايو 1908، في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية. نشأت في أسرة بسيطة كانت تعتمد على دخل والدها الذي كان مؤذناً ومنشداً في المناسبات القروية. رغم الظروف المعيشية الصعبة، كانت أم كلثوم مصممة على التعلم، حيث بدأت دراستها في الكُتّاب مع شقيقها خالد، وأظهرت موهبة مبكرة في تلاوة القرآن.
الطفولة وتشكّل الوعي الفني
تميزت طفولة أم كلثوم بحوادث تركت أثراً عميقاً في تكوين شخصيتها؛ فرغم الفقر، كانت أسرتها تدعم طموحاتها. كانت ترافق والدها وأخاها إلى الكتّاب، وتقطع مسافات طويلة يومياً لكي تتعلم. اكتشف والدها موهبتها عندما كانت تُردد التواشيح التي كان يُعلمها لشقيقها، مما دفعه لإشراكها في حفلات صغيرة، حيث بدأت مسيرتها الفنية بأجر بسيط.
الانطلاقة إلى عالم الشهرة
كانت أولى خطوات أم كلثوم نحو الشهرة عندما دُعيت لإحياء ليلة الإسراء والمعراج بالقاهرة من قِبل عز الدين يكن باشا، حيث أثارت إعجاب الحضور بصوتها العذب، مما أدى إلى تكرار ظهورها في المدينة. لاحقاً، تعرفت على الشيخ أبو العلا محمد، الذي شجّعها على الانتقال إلى القاهرة عام 1921، لتبدأ مسيرتها الاحترافية.
تحوّل فني.. من التقاليد إلى الحداثة
في منتصف العشرينيات، بدأت أم كلثوم بالابتعاد عن زيها التقليدي وظهرت بأسلوب عصري. تعاونت مع كبار الملحنين مثل محمد القصبجي، الذي أسس فرقتها الموسيقية، ورياض السنباطي، الذي أصبح الملحن الأبرز في حياتها. حققت أم كلثوم أولى نجاحاتها الكبرى بأغنية "إن كنت أسامح وأنسى الأسيّة"، التي حققت مبيعات قياسية.
التعاونات التاريخية وبناء إرث خالد
على مدار مسيرتها، تعاونت أم كلثوم مع عمالقة الشعراء والملحنين مثل أحمد رامي، الذي ساهم في صقل موهبتها اللغوية والشعرية، ومحمد عبد الوهاب الذي قدم لها لحن "أنت عمري". كما تألقت في تقديم قصائد أحمد شوقي ورياض السنباطي، مثل "سلوا قلبي" و"نهج البردة"، مما ترك بصمة خالدة في تاريخ الموسيقى العربية.
قائدة فنية واجتماعية
لم تكن أم كلثوم مجرد فنانة، بل كانت قائدة مؤثرة في المجتمع. أسست نقابة الموسيقيين عام 1943 وترأستها لمدة عشر سنوات. وبعد ثورة 1952، استعادتها مكانتها كرمز وطني، حيث دعمت القضايا القومية من خلال مبادراتها الفنية والإنسانية.
إرث لا يموت
رحلت أم كلثوم عن عالمنا في 3 فبراير 1975، بعد مسيرة فنية امتدت لأكثر من نصف قرن. ولكن صوتها وأغانيها ما زالت حية، تُعيد إحياء ذكريات الأجيال السابقة وتلهم الأجيال الجديدة. لقد كانت أم كلثوم أكثر من مجرد مطربة، بل كانت رمزاً للهوية والثقافة العربية.
الطائر الرفراف الحلقة 90