-

واقع الرضاعة الطبيعية في العالم العربي

واقع الرضاعة الطبيعية في العالم العربي
(اخر تعديل 2025-04-15 09:11:26 )
بواسطة

على الرغم من كل ما يُقال عن أهمية الرضاعة الطبيعية وفوائدها الصحية والنفسية لكل من الأم والرضيع، إلا أن الأرقام على أرض الواقع تروي قصة مختلفة تمامًا. فالكثير من النساء يبدأن رحلة الرضاعة الطبيعية بعد الولادة مباشرة، ولكن مع مرور الوقت، وبالأخص مع عودة الأم إلى العمل، تبدأ هذه الممارسة بالتراجع تدريجيًا، لتصبح مجرد مرحلة عابرة ومؤقتة في حياة الطفل.

فهل التشريعات الحالية تدعم حق الأم في الإرضاع حقًا؟ أم أن بيئة العمل لا تزال تفرض عليها خيارات قاسية بين مهنتها وطفلها؟

واقع الرضاعة الطبيعية: النية موجودة، لكن العقبات كثيرة

رضاعة طبيعية

تشير العديد من الدراسات إلى أن معدلات الرضاعة الطبيعية الحصرية حتى سن الستة أشهر لا تزال أقل بكثير من التوصيات العالمية. وهذا ليس بسبب قلة وعي الأمهات، بل لأن العقبات تبدأ منذ لحظة التفكير في العودة إلى العمل. ضغوط الوقت، غياب أماكن مخصصة للرضاعة أو لشفط الحليب، والنظرة المجتمعية السلبية أحيانًا داخل أماكن العمل، كلها تحديات تجعل الاستمرار في الرضاعة أمرًا شبه مستحيل لكثير من الأمهات العاملات.

إجازة الأمومة: هل هي كافية حقًا؟

تتفاوت مدة إجازة الأمومة من دولة إلى أخرى في العالم العربي، حيث لا تتجاوز في بعض البلدان 45 يومًا، وفي أفضل الأحوال تصل إلى ثلاثة أشهر فقط. وهذا يتعارض تمامًا مع توصيات منظمة الصحة العالمية التي تشجع على الرضاعة الطبيعية الحصرية لمدة ستة أشهر. ومع غياب خيارات مثل العمل المرن أو إمكانية تمديد الإجازة لرعاية الطفل، تجد الأم نفسها مضطرة إلى الفطام المبكر أو الاعتماد على الحليب الصناعي.

ماذا تقول القوانين؟ دعم جزئي لا يلبي الحاجة

بعض التشريعات تسمح للمرأة العاملة بـ"ساعة رضاعة" يوميًا بعد العودة من إجازة الأمومة، ولكن دون ضمان توفير أماكن مخصصة وآمنة للرضاعة أو حفظ الحليب. وغالبًا ما تكون هذه "الساعة" عرضة للتفاوض أو الإهمال في بعض المؤسسات، خاصة في القطاع الخاص الذي قد لا يلتزم دائمًا بتطبيق القوانين بشكل صارم. وهنا يبرز السؤال: ما فائدة القانون إن لم يُفعَّل بشكل حقيقي وفعّال؟

يقول المحامي المتخصص في قوانين العمل، محمد الزهراني، إن مشكلة التشريعات المتعلقة بالأمهات العاملات لا تكمن فقط في النصوص، بل في غياب آليات الرقابة والتنفيذ. ويوضح: "هناك مواد قانونية تمنح المرأة حق ساعة الرضاعة، لكن التطبيق الفعلي غالبًا ما يتوقف على إرادة صاحب العمل، خاصة في المؤسسات الصغيرة أو الخاصة. نحتاج إلى لوائح تنفيذية صارمة، ومساءلة واضحة، تضمن عدم التفريط في هذا الحق الإنساني قبل أن يكون قانونيًا."
آسر الحلقة 12

النماذج العالمية: هل هناك ما يمكن أن نتعلمه؟

تقدم دول مثل السويد وكندا بيئة داعمة للأم العاملة من خلال إجازات أمومة طويلة، وتشريعات مرنة، وغرف مخصصة للرضاعة في أماكن العمل. وهذا ينعكس بشكل مباشر على ارتفاع نسب الرضاعة الطبيعية فيها. فهل يمكن أن تكون هذه النماذج مصدر إلهام لإعادة صياغة سياساتنا المحلية؟

إن تحسين معدلات الرضاعة الطبيعية ليست مسؤولية الأم وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة تبدأ من صانع القرار، مرورًا بمؤسسات العمل، وانتهاءً بدعم المجتمع للأم العاملة. ما تحتاجه الأمهات اليوم ليس مجرد عبارات تشجيعية، بل قوانين عادلة، مطبّقة فعليًا، تُراعي خصوصية المرحلة التي تمر بها الأم، وتوفر لها الأدوات الحقيقية للاستمرار في الرضاعة دون التضحية بمسيرتها المهنية.