-

عالم القراءة والشغف بالكتب

عالم القراءة والشغف بالكتب
(اخر تعديل 2025-04-19 10:19:42 )
بواسطة

تُعد زاوية "ماذا تقرأ؟" نافذة مميزة تُسلط الضوء على عوالم القراءة الخاصة بالكتّاب، المؤثرين، والفنانين. هدفنا من خلال هذه الزاوية هو استكشاف الكتب التي تُلهب خيالهم، وتُظهر اهتماماتهم الفكرية، وتروي لنا قصصًا عن شغفهم بالقراءة. كما نرصد كيف تؤثر هذه العوالم على مساراتهم الشخصية والمهنية. إنها مساحة للاحتفاء بالكتاب والقراءة كوسيلة للتطور والإبداع.

في حديثه مع موقعنا، يكشف الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد عن علاقته العميقة بالكتب، ويُبرز كيف اشتبك مع كتابه الأول، بالإضافة إلى ميوله لجنس الأدب الذي يفضله.

يعرض جلعاد في حديثه رؤيته للحياة من خلال القراءة، ويفسر علاقته بالكتاب سواء الورقي أو الإلكتروني.

بداية العلاقة مع الكتاب

بدأ شغفي بالكتب منذ طفولتي، حتى قبل أن أتعلم القراءة بالمعنى الحقيقي. كانت لحظات استراق النظر إلى مكتبة والدي ومحاولة فك رموز العناوين الكبيرة بمثابة بدايات اكتشافي لعالم الكتب. كنت أظن أن الكتب مخصصة للكبار فقط، حتى اكتشفت أنها متاحة لكل من يملك الفضول. هذا الفضول رافقني منذ ذلك الحين. مع مرور الوقت، أصبحت القراءة أكثر من مجرد عادة؛ لقد تحولت إلى بوصلة توجهني في فترات التيه، ومرآة أرى من خلالها العالم وأفكاره.

أصلي من أصول بدوية، حيث يبدأ الكلام معنا مبكرًا من الاستعارة، ومن اللغة الشفهية شبه الفصيحة. كشاعر، كانت الكلمات في طفولتي المليئة بالأسئلة هي أولى نوافذي إلى عالم الخيال. قصائد الزير وملاحم بني هلال في الروايات الشفهية غرس في نفسي حب الكلمة.

في المدرسة، كانت رائحة الكتب تمثل طعم المعرفة. كانت قطع السكر التي تعلمنا سحر البيان. ومع مرور الوقت، تحولت الكتب والصحف إلى وثائق نتعلم من خلالها اكتشاف الحقائق وحكايات الناس. ومع الوقت، أخذتنا لذة الكلمات إلى تحويل دفاتر المدرسة إلى مساحات سردية لخيالاتي، وكأنني أبني عالماً موازياً بأوراق الحبر. يبقى الكتاب رفيقي الدائم.

ما الذي أقرأه اليوم؟

5cae91aa-8a2f-47e7-b0f0-49abaf71fb2b

أقرأ حاليًا كتابين، الأول هو "متاهة الضائعين: الغرب وأعداؤه" للكاتب أمين معلوف، والثاني "أنت السبب يابا: الفاجومي وأنا" للكاتبة نوارة نجم.

محتوى الكتابين

في كتاب "متاهة الضائعين"، يتناول معلوف إشكالية مهمة: كيف تُشكل الخطابات السياسية صورتنا عن "العدو"؟ الكتاب أشبه بتحقيق استقصائي يتناول الجذور الفلسفية للصراع بين الغرب ومن يُعتبرون أعداءه، وكيف تُستخدم هذه الصورة لتبرير الحروب الواقعية والرمزية. كما يتناول أزمة الهوية والانقسام الحضاري بين الشرق والغرب، موضحًا كيف يعيش الغرب حالة اغتراب عن نفسه في ظل التحولات السياسية والاجتماعية، وكيف يتأرجح العالم العربي بين أحلام النهضة وكوابيس السقوط.

أما الكتاب الثاني "وأنت السبب يابا"، فهو كتاب شخصي يحمل صدى جيل كامل. الكاتبة نوارة نجم تروي فيه علاقتها بوالدها الشاعر الشهير أحمد فؤاد نجم، لكنها تتجاوز السيرة الشخصية لتتناول الثورة والنضال، وكيف تعيش كابنة لشخصية بحجم "الفاجومي" بكل ما يحمله ذلك من فرح وألم وتناقضات.
دين الروح الحلقة 16

تستخدم نوارة نجم في كتابها سلاح السخرية السوداء والصراحة المُفجعة لتفكيك تابوهات المجتمع المصري، مثل السلطة الأبوية والتعصب الديني. الكتاب يُشبه سيرة ذاتية ولكنه أيضًا تقرير صحفي مُقنع يروي حكايات العائلة، حيث يصبح "الفاجومي" رمزًا لتناقضاتنا.

كتاب "وأنت السبب يابا" هو كندبة شعرية مكشوفة، حكاية شخصية تتحول إلى مرثية لجيل يحمل أوجاع الابن والأب معًا. اللغة هنا مباشرة كالسكين، لكن جرحها يطلق رائحة التراب والياسمين، مُذكّرة لنا بأن الأدب قد يكون صوت الصراخ حين نعجز عن التغافل أو التمويه.

لماذا اخترت هذين الكتابين معًا؟

لأنهما يمثلان وجهين لعملة واحدة من القلق: الأول يسأل عن ضياع الحضارات في صراعاتها، والثاني يسأل عن ضياع الأفراد في حروبهم الخاصة. كلاهما يجسد قناعتي بأن الكتب لا تُقرأ بالعقل وحده، بل بالوجع المشترك بين الكاتب والقارئ.

أبحث دائمًا عن نقاط التقاطع بين الهوية والسياسة، بين الانتماء الفردي والانتماء الجماعي. يميل أمين معلوف إلى تحليل التغيرات الكبرى بعين المؤرخ والروائي، بينما تكتب نوارة نجم من قلب التجربة، من زوايا المنزل والذكريات والمواجهات اليومية. الأول يعطيني رؤية بانورامية للعالم، والثاني يأخذني إلى الحميمي والشخصي، وفي كليهما، هناك سعي لفهم هذا الزمن المضطرب.

من هو كاتبك المفضل؟

من الصعب اختصار الإجابة في اسم واحد. الكتابة نهر روحاني متدفق، وأنا أميل عمومًا إلى الأدباء الذين يكتبون بجرأة فكرية وشاعرية عالية. أحب أمين معلوف في سردياته التاريخية، ومحمود درويش في شعره الذي يعبّر عن معاني الوطن والمنفى، ودوستويفسكي في قدرته على سبر أغوار النفس البشرية. أجد في غالب هلسا انشقاقه عن الوعي التقليدي، ويضحكني هنري ميلر في هجائياته لأمريكا المتعجرفة.

متى تقرأ؟

أقرأ باستمرار، سواء لأسباب تتعلق بعملي أو لمتعتي العقلية. أحيانًا أقرأ دون حاجة، كمن يفتح نافذة ليتأكد من أن العالم لا يزال موجودًا. في الصباح الباكر، حيث يكون الذهن صافياً، أو في آخر الليل حيث تتساقط الأفكار.

لكل قراءة وقتها وزمنها. أقرأ كشاعر في الليل، حين تهدأ الأصوات، وتتسع المسافات للكلمات. كصحفي، أقرأ مع القهوة وشروق الشمس، حيث تتطلب الأخبار والوثائق انتباه الصباح. أقرأ في أي وقتٍ يسمح لي بالسفر إلى عوالم الآخرين، دون أن أنقطع عن بناء عالمي.

وهناك وقت محرم، حيث تتوقف القراءة كليًا، وبالتحديد قراءة الأدب. إنه الوقت الذي يتنزل فيه وحي الكتابة الإبداعية. هذه مرحلة حساسة لا يمكن فيها قراءة أي شيء كي لا يشوش على كتابتي الخاصة، إنها لحظة شفافة.

أين تحب أن تقرأ؟

أقرأ الكتب السياسية والفكرية في كل مكان. أما الكتب الأدبية، فأحب قراءتها في أماكن تمنحني إحساسًا بالعزلة دون أن تكون منعزلة تمامًا. مقهى هادئ مع ضجيج خافت، شرفة تطل على الشارع، ركن في مكتبة عامة، أو ببساطة سريري قبل النوم.

هل من مجالات أو كتب معينة تجذبك؟

أجذب عمومًا إلى الأدب الذي يمزج بين الخيال والتاريخ، وإلى الفلسفة التي تثير الأسئلة. أحب الكتب السياسية التي لا تكتفي بالتحليل السطحي، وأسعى إلى السير الذاتية التي تكشف عن الإنسان خلف الصورة العامة. الشعر دائمًا معي، أقرؤه في كل وقت، بل وأسعى لحفظ ما أحب. وأبحث دائمًا عن التحقيقات الصحفية التي تكشف طبقات خفية من الواقع.

بين الإلكتروني والورقي.. أيهما الأحب إليك؟

الكتاب الورقي هو عشق قديم: رائحة الأوراق، لمسة الغلاف، وشعور المهابة والفرح الذي يرافق اقتناء الكتاب. أما الكتاب الإلكتروني، فهو صديق عملي: أستطيع حمله في السفر، وأبحث فيه عن المعلومات بسرعة. لكن، كشاعر وصحفي وروائي، أظل أضم الورقي إلى صدري، فهو يمنحني إحساسًا بأن الكلمات كائنات مادية تتنفس بجواري.